أتعجب من هذا الاستعلاء الذى تمارسه القيادات الحزبية الشابة على المواطن المصرى، وهم يصفونه عبر طرق ملتوية، وأحيانا بصراحة فجة، بالناخب فاقد الأهلية الذى سيحمل صوته ويضعه فى صندوق الانتخابات لصالح نواب الحزب الوطنى الفاسدين، إما عن جهل وبلاهة، أو مقابل مصلحة شخصية، وعلى هذا الأساس، تكرر وتصمم القوى السياسية على موقفها القائل بضرورة عزل أعضاء الحزب الوطنى، ومنعهم من المشاركة فى العملية السياسية، على اعتبار أن هذا من أجل المواطن المضحوك عليه و«اللى مش عارف يختار»، وليس - لاسمح الله - بسبب خوف هذه الأحزاب من القوة الفردية التى يملكها عدد كبير من نواب الوطنى «المنحل» فى دوائرهم، بسبب خبرتهم الانتخابية ومايقدمونه من خدمات لعنها الله ولعن الله من جعلها كارت مرور لمقاعد البرلمان.
كلام القيادات الحزبية عن «حرفنة» هؤلاء فى شراء الأصوات، وتقفيل اللجان مفهوم، وسقوط عدد من المواطنين فى فخ تلك اللعبة أمر به بعض الصحة، ولكن تعميمه هو الخطأ بعينه، لأننا جميعا نعلم أن الغالبية العظمى من المواطنين كانوا يتعففون عن المشاركة فى العملية الانتخابية بسبب كوارثها، وأغلب من شارك كان يضطر لأن يضع صوته لابن البلد، أو العائلة أو القبيلة، لأن الاختيارات أمامه كانت ضعيفة وغير مشجعة، والعودة إلى نسب التصويت وكشوف الانتخابات تقول بذلك، وتؤكد أن الأموات والمسافرين كانوا الأبطال الحقيقيين فى عمليات التصويت الفاسدة التى تأتى بنواب فاسدين من الوطنى وغيره.
إذن.. اختلاف الأجواء وتوفير ضمانات النزاهة، ووجود أكثر من مرشح محترم، أمر كافٍ لأن يجذب الملايين الذين كانوا يمتنعون عن المشاركة بسبب الفساد إلى النزول، حيث صندوق الاقتراع ووضع صوتهم «الأمانة» حيث يستحق، وهذا مايجب أن تفهمه القيادات الشابة بدلا من التجنى على المواطن، واستعدائه عليهم وعلى الثورة، وحتى هذا المواطن الذى اعتاد أن يبيع صوته الانتخابى لا يحتاج سوى إلى حصة توعية واحدة، بعد أن ظل طوال عمره وحيدا أسيرا لإعلام الحزب الوطنى وخدمات نوابه.
أما فيما يخص قصة العزل السياسى التام لنواب الوطنى، فهو أمر مفهوم إذا اقتصر على منطق شبابى وشعبوى حماسى، ولكن انتقال نفس المنطق إلى قاعات المثقفين والسياسيين والهاتفين باسم الحرية، يحمل من الخطورة مايفوق الخيال، لأنه يشير ببساطة إلى فئة سلطوية قمعية جديدة طفت على السطح، ومنحت نفسها حق امتلاك وتوزيع صكوك الغفران ومفاتيح أبواب العمل السياسى.
تقوم الثورات لكى تمنح الناس العدالة وتكافؤ الفرص، وتترك للشارع حق تقرير المصير عبر صندوق زجاجى معروف فى الأوساط المحترمة باسم الصندوق الشفاف، وليس من حق أحد مهما كان عدد الساعات التى نامها على أسفلت ميدان التحرير، أن يسرق حق مواطن مصرى فى ممارسة حياته السياسية، أو حقه فى الحرية المكفولة له قانونيا ودستوريا، إلا إذا قال القضاء بعكس ذلك، وأثبت فسادا يستوجب العزل أو السجن.
التعميم فى ملف إقصاء أعضاء الحزب الوطنى المنحل، تعميم فاسد، يضر الثورة أكثر مما يخدمها، تعميم فى ظاهره ضد الفساد، وفى باطنه يحمل الكثير من الوصاية على المواطن المصرى، وافتراض جهله، وعدم قدرته على التفرقة بين المرشح النزيه والآخر الفاسد، تعميم يفضح خوف الأحزاب والقوى السياسية من سيطرة بعض رجال الحزب «المنحل» على دوائر الأقاليم والمحافظات، ويكشف عجزهم عن التواصل مع تلك البقع الجغرافية التى سحقتهم فى استفتاء التعديلات الدستورية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة