من حق المواطن العادى الذى لم ينضم إلى إضراب، أو اعتصام، أو احتجاج، أن يتساءل عن نهاية للمظاهرات، والإضرابات، والاعتصامات الفئوية التى شملت كل مصنع، أو شركة، أو مؤسسة وهيئة، أو كل شارع وحارة فى مصر. ولكن هل مازال هناك مواطن لم يشارك فى احتجاج أو اعتصام. كل المواطنين تقريبا لم تفتْهم مظاهرة أو احتجاج للمطالبة بحقوق فئوية، وبزيادات وعلاوات وحوافز، وكأن الكل كان فى انتظار الثورة للإسراع لانتهاز الفرصة، والسعى وراء غرض شخصى أو مطلب فئوى.
وكأن الثورة قامت من أجل تلبية حقوق فئوية، وليس من أجل تغيير شامل إلى دولة ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية للجميع، وفق خطط تنمية واضحة.
المظاهرات والإضرابات والاعتصامات الفئوية لم تتوقف منذ تولى الدكتور عصام شرف رئاسة حكومة تسيير الأعمال وحتى الآن، وتسببت فى خسائر عديدة بسبب تعطيل مؤسسات الدولة عن العمل، وتوقف حركة الإنتاج فى المؤسسات والشركات الكبرى، رغم محاولات التحذير من خطورة استمرار الاحتجاجات الفئوية على الاقتصاد المصرى الذى تهدده مخاطر الانهيار إذا استمرت تلك المظاهرات الفئوية إلى مالانهاية دون توقف، أو هدنة، حتى تستقر الأوضاع السياسية، وتتشكل حكومة مسؤولة أمام برلمان ورئيس.
البعض يرى أن وراء استمرار الإضرابات والاحتجاجات الفئوية فلول الحزب الوطنى المنحل، التى تسعى لإشاعة الفوضى، وعدم الاستقرار بعد الثورة. ربما يكون ذلك صحيحا، لكن أيضا هناك حقوق أهدرها النظام السابق، وفشلت جميع القنوات الشرعية سواء للعمال أو الفلاحين أو الموظفين فى الحصول عليها، وعجزت عن التعبير عن هموم وقضايا هؤلاء بعد أن وظفها النظام السابق لصالح أغراضه السياسية.
فى الوقت ذاته، ومع الاعتراف بالمطالب المشروعة لكل فئات المجتمع، وحقهم فى التظاهر والاحتجاج السلمى للتعبير عن مطالبهم، فإن ذلك يكشف عن الاستغلال السيئ للحق فى التظاهر والإضراب بشكل يؤدى إلى تعطيل عجلة الإنتاج، فى وقت نحن فى أشد الحاجة فيه إلى العمل والإنتاج للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.
على الجانب الآخر أيضا، تكشف الأزمة عن غياب قنوات التواصل بين مؤسسات الدولة والعاملين بها، وغياب ما يسمى بإدارة الأزمات لدى الحكومة التى حرضت باستجابتها المتتالية لمطالب فئة معينة، على التمادى فى احتجاج باقى الفئات، وهذا ما حدث فى إضراب المدرسين، ثم سائقى النقل العام.
الحكومة الحالية ليست لديها رؤية واضحة للتغلب على استمرار الاحتجاجات، والإضرابات العمالية، وليست لديها وسيلة سوى المناشدة والاستجداء بالتوقف والعودة إلى العمل، والتحذير والتخويف من الإفلاس والانهيار الاقتصادى.
فإذا كانت الحكومة ترى مشروعية المطالبة، وحق المطالبين بها، فلماذا لا تسعى إلى تنفيذها قبل التصعيد والتعقيد؟ أو لماذا لا تسعى إلى الحوار والتفاوض قبل الدخول فى الإضراب والاعتصام وتعطيل المصلحة العامة؟
لا نريد أن نشكك فى نوايا بعض المسؤولين فى الحكومة الحالية، وتقاعسهم عن مواجهة مأزق الاحتجاجات الفئوية، والصمت تجاه المطالب حتى تنفجر الأوضاع، وتصدير صورة الفوضى عن أوضاع ما بعد الثورة، مقابل صورة الاستقرار الزائف قبلها، وهذا ما يسعى إليه بعض المسؤولين للأسف.