لم يكن بوسع خيالى الفقير أن يتصور ما يتمتع به الفلول من بجاحة واقتدار و«وش مكشوف» فالفلول فى بلد مثل ليبيا يحاكمون بكل قوة، على جرائمهم المادية كالسرقة والفساد والإفساد، والمعنوية كالتحريض ضد الثورة ومناصرة نظام القذافى وتأييده إعلاميا أو دينيا، لكن الفلول عندنا يحكمون ويتحكمون، ومن كان يعادى الثورة بكل خبث يتولى المناصب الكبرى الآن، ويجد من يعيد له بريقه المزيف ولمعانه الأجوف، ومن كان يفتى ويستخدم الدين «زورا» فى قمع التظاهرات والاحتجاجات يعقد الندوات والمؤتمرات ويذهب إلى جلسات مناقشة المستقبل، ويا فلول إيه بجحك؟ قال: مالقتش ثورة تلمنى.
آخر بجاحات الفلول هى تهديدهم للمجلس العسكرى بأنه إن تم عزلهم سياسيا فإنهم سوف يعيثون فى الأرض فسادا، وسيجمعون أكثر من 15 مليون مواطن لاحتلال محافظات مصر، والاستقلال بمحافظاتهم، وقطع خط القطار وتدمير كابلات الكهرباء، وغير ذلك من أفعال لا يصح لها أن تقع فى بلد محترم، لكنى، بالطبع، ألتمس لهم العذر، ولم لا، وقد رأوا بأم أعينهم إخوانهم من الفلول يمتطون الثورة وينغرزون فى لحمها ويتحدثون باسمها، ولم يردعهم منظر قائدهم الهمام وهو ملقى بالقفص!
بجاحة الفلول هنا تبدو «منطقية»، نعم منطقية، فلم يمسسهم أحد بسوء منذ اشتعال الثورة، بل على العكس تماما، كرموا وتنعموا وتركوا ببلطجيتهم يعتدون على أهالى الشهداء، ويسبون الثورة ويتهمون أبناءها وشهداءها بأنهم عملاء أو مأجورون أو مغفلون أو بلطجية، ومنطقية أيضا لأن المجلس العسكرى يحاكم «أحمد عز» بالقوانين التى وضعها وعدّلها ووافق عليها وأقرها «أحمد عز» غير عابئين بأن من سن هذه القوانين ابتداء من مبارك وانتهاء بأعضاء المنحل وأتباعهم قد ضمنوا لأنفسهم أن يخرجوا كالشعرة من العجين «إذا ما قامت القومة».
إفساد القوانين إذن كان من المهام الأولى لمبارك ورجاله، وقد أشرت فى عدة مقالات سابقة إلى أنه لا إصلاح ولا فلاح إلا حينما نراجع القوانين التى وضعها رجال مبارك ونطهرها ونتطهر منها، لكن كالعادة القديمة، لا حياة لمن تنادى، ولهذا فإن تبجح الفلول الآن فى محله؟
ولأن علينا أن نقترح، وليس علينا إلا أن نعض على أصابعنا كلما أهدر المجلس العسكرى اقتراحاتنا، فإنى سأدل المجلس على مخرج قانونى للإشكالية التى وضع نفسه فيها بتمسكه بعدم عقد محاكمات ثورية لفاسدى النظام السابق، وهو أن يحاكم الفلول جنائيا على جرائمهم السياسية، ابتداء من مبارك وحتى أصغر فاسد فى الجهاز الإدارى للدولة، فما المانع مثلا من أن نحاكم كل رموز الحزب الوطنى وأعضاءه بتهمة التزوير على تزويرهم انتخابات المجالس التشريعية والمحلية؟ ، وما المانع من أن نحاكم الوزراء ورؤساء الهيئات الحكومية على إهدارهم المال العام بتسخير مرافق وزاراتهم وهيئاتهم للحزب الوطنى وأعضائه، رغم أن القانون يحرم ذلك؟ وما المانع أن نتهم كل من عين قريبا له بالوساطة فى وظيفة حكومية بتهمة استغلال النفوذ وإساءة استغلال السلطات؟ وما المانع من أن نطبق حكم القانون على المدانين فى هذه الجرائم واعتبارها جرائم مخلة بالشرف والاعتبار، ومن ثم يحرمون من ممارسة السياسة إلى الأبد؟ أعتقد أنه لا مانع، لكن الاقتراحات كثيرة، فى انتظار «النفس اللى تاكل».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة