ربما يكون الوقت قد فات للحديث عن 6 أكتوبر وذكريات الانتصار، ولكن تبدو القضية هنا أكبر من الاحتفال بذكرى أو قص المزيد من حواديت البطولة على أسماع الناس، لعلهم يتعظون أو يفهمون المعنى الأصلى لحب الوطن والتضحية من أجله على طريقة أبطال حرب أكتوبر، وليس على طريقة قيادات ومشاهير الأحزاب والحركات السياسية الحالية.
الاحتفال بنصر أكتوبر لا تقيمه الصاجات أو المارشات العسكرية أو إكليل الزهور الذى يعانق قبر الجندى المجهول ولا إذاعة فيلم «الرصاصة لاتزال فى جيبى».
كيف لنا أن نحتفل ونفرح بكل هذه القصص الأسطورية، بينما أصحاب هذه القصص غارقون فى بحر التجاهل والإهانة، فى الولايات المتحدة مثلا يسير هؤلاء الذين شاركوا فى حرب فيتنام الخاسرة مرفوعى الرأس ويحصل الواحد منهم من التقديس والرعاية ما يأمل فيه الباقى على ظهر الأرض من أبطال مصر فى حرب أكتوبر، ولا تضحك على نفسك وتعتبر هذه الاستضافات التليفزيونية مرة كل عام نوعا من أنواع التكريم.
أقول الكلام السابق بسبب الوجع الذى حط فى قلبى وأنا أسمع محمد أفندى أو محمد العباسى أول بطل رفع علم مصر على أرض سيناء بعد العبور، فى أحد البرامج الصباحية حكى محمد أفندى عن ضفة القنال التى شهدت أيام البؤس وأيام النصر، وحكى عن عينه التى شاهدت من البطولات ما لا عين أخرى رأت، ثم دار وتلهف مثل الصغار ودمعت عيناه وهو يطلب من المذيع أن يتركه يستكمل باقى حكاويه أفضل من الخروج إلى فاصل، ولكن الفاصل فرض نفسه على من لم تنجح إسرائيل فى فرض الذل عليه، وبعد العودة من الفاصل جاءت عين محمد أفندى بنفس دموعها وهى تحكى عن أمنية البطل الذى حقق أمنية مصر، ولم تستطع مصر أن تحقق أمنيته فى زيارة بيت الله، لم تكن تلك أزمة محمد أفندى الوحيدة، فالرجل كان يشعر بالخجل من طلبه خوفا من أن يتخيل أحد التعساء أنه يطلب مقابلا لبطولته، ولكن الأزمة كانت فيما سببته تلك الأمنية من جرح لمحمد أفندى، وما كشفته من مهزلة لا تستدعى سوى تدخل بالبتر والعقاب من جانب المسؤولين فى المؤسسة العسكرية.
عين محمد أفندى التى تحول بريقها أثناء الحكى عن ذكريات أكتوبر إلى انكسار وهو يحكى عن ضابط القوات المسلحة برتبة رائد استقبله أثناء تقديم طلب الحج، قال إن الضابط الهمام سأل محمد أفندى عن اسمه فأجابه بفرح واعتزاز: «أنا محمد العباسى.. محمد أفندى أول واحد رفع علم مصر على أرض سيناء»، فرد الضابط الذى كان يلعب فى تراب شارعهم فى الوقت الذى كان محمد أفندى يقدم روحه للوطن هدية: «مين يعنى؟ مين إنت؟» ثم مط شفتيه بسخرية وأضاف: «أنا كمان رفعت العلم».
هل ترضى ياصديقى أن يتعرض محمد أفندى لتلك الإهانة؟ هل هذه هى المعاملة التى يستحقها هؤلاء الأساطير الذين أبهروا العالم وردوا كرامتنا؟ هل يعقل أن يتحول 6 أكتوبر من ذكرى انتصار وفخر لهؤلاء الأبطال إلى ذكرى إحساس بمرارة التجاهل وهزيمة آمالهم؟ لا أعتقد أن القوات المسلحة ترضى لأحد أبطالها معاملة بهذا الشكل، ولا أعتقد أن ضابطا بهذه الصفات يمكن أن نأتمنه على عِرض هذا الوطن وأرضه.
لا شىء يمكن أن أقدمه لمحمد أفندى سوى الاعتذار، أسف مخلوط بكثير من الفخر والإعزاز بكل ما قدمته من أجل مصر، وأسف مخلوط بكثير من الندم لأن الدولة ونحن معها تركناك تتعرض لمثل هذا الموقف.. بينما من هم مثلك مكانهم الطبيعى فوق رؤوسنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة