فاطمة ناعوت

لكم اللهُ.. خالد وبلال وعصام!

الثلاثاء، 01 نوفمبر 2011 03:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل قُمنا بثورة حقّا؟ لو نعم، فلمَ قمنا بها؟ ضدَّ مَن؟ أو ضدّ ماذا كانت الثورة؟ كنتُ أظن أن الثورة قامت بالأساس ضدَّ الاستهانة بقيمة المواطن المصرى! ضدَّ فساد وطمع السلطان وحاشيته، وضدَّ الظلم والقمع والتعذيب والمهانة التى كانت تُـمارس من قِبل يد الحاكم الباطشة، جهازه الأمنى الفاشى، ضدّ المواطن المصرى غير المحصّن بسلطان أو نفوذ. كنتُ أظن أنْ من أجل هذا، اختار الثوارُ يوم ٢٥ يناير، عيد الشرطة، لكى تُوجَّه الضربةُ الرافضةُ صوب صدر جهاز الداخلية الذى كان اليد الشريرة التى يروع بها النظامُ والحاكمُ كلَّ نفس تقف حجرَ عثرة فى وجه الفساد والانحلال السياسى الذى استمتع الحاكمُ بممارسته ثلاثين عامًا، مطمئنّا إلى شعب صبور حمول طيب، وحاشية وبطانة من سافكى الدماء مُستلبى الحقوق بائعى الضمير، عديميه. كان الجهازُ الأمنىّ لا يروّع، وحسب، أحجارَ العثرة من شرفاء مصر، ولا، وحسب، الخارجين على القانون، أو، حتى، المتهمين والمشتبَه فيهم، بل كان يروّع، كذلك، المواطنين العاديين الأبرياء تحت مظلّة قانون طوارئ فاقد كل مبررات وجوده، اللهم إلا حماية النظام من الشعب! بدلَ أن يحمى النظامُ الشعب! حتى بات كلُّ مواطن شريف يخشى التوجه إلى قسم الشرطة ليُبلغ عن جريمة شاهدها، مخافةَ أن يتحول من شاهدٍ ملك إلى مجرم! وهو ما كان يحدث كثيرًا. ما رسّخ، بمرور الوقت، ثقافةَ «التواطؤ على الخطأ»، وكأنما الشرفاءُ أضحوا يتواطأون مع المجرمين فلا يُبلغون عنهم، ما أدى إلى تفشّى المخالفات والتجاوزات الأخلاقية والقانونية فى ربوع مصر. ولأن كلَّ فاشىٍّ لا يتمتع عادةً إلا بقدر محدود من الذكاء، فإنه ظل يضغط ويضغط دون أن يحسب حسابًا للحظة يسميها الفيزيائيون Yield Point، أو «نقطة الخضوع». تلك النقطة التى تفقد عندها المادةُ قدرتَها على تحمّل مزيد من الضغط، فتنكسر. لكن شعبنا العظيم لم ينكسر، بل انفجر فى وجه الباطشين حتى أدخلهم ظُلمةَ السجون التى طالما أدخلوا فيها شرفاءَ كثيرين. وكانت «نقطةُ الخضوع» تلك هى تعذيب وقتل «خالد سعيد» فى يونيو 2010، دون سبب، وتعذيب وقتل الشاب السلفىّ «سيد بلال»، عقب مذبحة كنيسة «القديسيْـن» فجر 2011، لإجباره على الاعتراف بجريمة لا يعرف عنها شيئًا! ومَن القاتلُ فى الجريمتين؟ حامى أمن العباد! الداخلية وأمن الدولة! صورتا خالد سعيد المتناقضتان، ملأتا الدنيا فزعًا ومرارًا. الأولى: شابٌّ مصرىّ وسيم يشبه أخى ويشبه أخاك، والثانية: وجه جثمان مشوّه الملامح مهشّم الأسنان مخلوع الفكّ متورّم الصدغين مُسمل العينين. تلكما الصورتان اللتان تحولتا إلى أيقونة حَزَنٍ وثأر محفورة فى قلب كل مصرى، حتى تفجّرت فى يناير. وانتصرتِ بدايةُ الثورة، وزُجّ بالظالمين الفاشيين للسجون، وبدأ الشعبُ فى تطهير البلاد من دنس النظام السابق، ومثلما لم ينس الشعبُ دموع أمهات شهداء يناير، لم ينس أيضًا دموعَ أم الصبىّ المغدور، فراح الشعبُ ينتظر القصاص من الضابط الذى أمر بتعذيب الابن والـمُجندين اللذين نفّذا الويل والتشويه والقتل! طال الانتظار؟ نعم! ستّة عشر شهرًا، وهى على مقياس اللحظة الثورية التى نعيشها الآن دهرٌ طويل. ولكن انتظرنا على كل حال، ونحن نُمنّى النفس بأن ربيع العدل قد حلّ بمصرَ الطيبة التى توّجت «ماعت» ربّة للعدالة معصوبة العينين، فلا ترى ثريّا أو فقيرًا، ذا سلطان أو غير ذى سلطان. وأخيرًا حلّ الوعدُ وجاء القصاص. لكنه جاء مُحبِطًا غير مفهوم! سبع سنوات؟! القبض على مواطن دون سند، وتعذيبه حتى الموت بصفق رأسه فى درج السُّلّم، وذبح قلب أمٍّ بائسة، وذبح سلام شعب كامل، يساوى سنواتٍ سبعًا فى عُرف مصر؟ ومتى؟ بعد ثورة العدالة والتطهير؟! هل هكذا طُويت صفحةُ عريس ثورة مصر «خالد سعيد»؟! وهل ننتظرُ أن تخذلنا التحقيقاتُ وشهودُ الزور وتقاريرُ الطب الشرعىّ الملفّقة فى قضية «سيد بلال»، كما خذلتنا فى قضية «خالد سعيد»؟ ننتظرُ وتنتظرُ مصرُ ألا يُحبَطَ شعبُها الثائر من جديد، وألا تُهدرَ دماءُ شهدائها هدرًا. ولكنْ، وبينما ننتظرُ، يثبتُ النظامُ أنه لم يتغير! وأنه، ليس وحسب مازال يُهدر فى آدميتنا، بل كذلك لم تتغير آلية تفكيره العقيم البليدة. فبعد أقل من أسبوع على مذبحة ماسبيرو التى أسقطت فيها الشرطتان المدنية والعسكرية خمسةً وعشرين متظاهرًا مسالمًا حاملاً شموعًا طالبًا عدلاً، يقوم ضباطٌ فى سجن طرة بتعذيب سجين اسمه «عصام عطا» حتى الموت! ذاك هو الاستمرار فى إهدار آدميتنا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة