المرأة غاضبة على ضعف تواجدها وسط المرشحين لمجلس الشعب، بينما الشباب حانق لعدم تواجده بالمرة، والثوار محبطون لأنهم حلّوا مجلس الشعب القديم ولم يضمنوا ولا كرسى فى المجلس الجديد، أما العلماء والمثقفون فقد فقدوا الأمل فى الحصول، ولو على كرسى مطبخ فى البرلمان القادم، كل الفئات خرجت لتعترض فى الفضائيات إلا الشعب نفسه، فقد كان مشغولا فى لم لحمة العيد الانتخابية والأكل من صوانى المرشحين.
ولن يستطيع أغلبنا السخرية من ذلك لو عرف أن ذبائح المرشحين تعدت مئات الملايين، فهل هذا سخاء دينى أم ابتذال سياسى أم أنها انتخابات باللحمة للوصول إلى مجلس فتة؟ قال لى مرشح محترم إنه خرج لصلاة العيد مع أبناء دائرته والتقى بهم لدقائق قبل الصلاة، وقال لهم كلمات جميلة عن فكرة التضحية فى الإسلام وأبعادها السياسية والاجتماعية.. قال لى: لقد شعرت بأن الناس تفاعلت فعلا مع الكلمات الصادقة، إلا أنهم انفضوا عنى وكأنى جرثومة حينما بدأت ذبائح المرشحين المنافسين بعد الصلاة مباشرةً، وتساءل الرجل: ماذا أفعل أمام حب الناس للحمة؟.. فقلت له: فى جلستك القادمة معهم حذّرهم من الدهون الثلاثية والكوليسترول لعلهم يتقون.. ومرشح آخر فى الصعيد اتصل بى قائلا: إن منافسه يوزع على كل ناخب نص أو ربع خروف!! قال لى فى غضب: «حتى أخويا خانى وراح خد منه»، فنصحته بأن يصالح أخاه لعله يلحق أكلة لحمة. الواضح أن الحرب الانتخابية تحوّلت فى العيد الكبير إلى حرب غذائية بين مرشحى البتلو والضانى والكندوز، حتى الشوادر التى اعتاد المرشحون إقامتها لعرض برامجهم الانتخابية وخبراتهم السياسية اقتصرت على عرض «الريش وبيت الكلاوى» تحت شعار: «أقرب طريق لقلب الناخب معدته»، وأصبح النائب يُعرف بنوع لحمته بدلا من أفكاره وسياسته، هل هذا عادى فى المجتمعات الأخرى أم أننا اعتدنا على قبول ذلك؟ هل سمعنا عن سيناتور أمريكى يوزع «ديوك رومى» فى «عيد الشكر»، أو مرشح يابانى يوزع «سمك» و«سوشى» فى «عيد الماتسورى»؟ وهل هذه الذبائح دخلت ضمن تكلفة الحملات الانتخابية التى قرر المجلس العسكرى ألا تزيد على نصف مليون جنيه.. أم أنها لله؟ وإذا كانت لله كما يقولون.. فلماذا كانوا يوزعونها بصورهم الشخصية ورموزهم الانتخابية.. هل هى تحتاج الملائكة لذلك ليكتبوا لهم حسنة أم أننا خرجنا من استغلال الشعارات الدينية إلى استغلال الشعائر؟ وماذا ننتظر من هؤلاء المرشحين الذين يقايضون أصوات الناس باللحمة؟ هل تخلصنا من فساد السفاحين لنعيش مرحلة جديدة مع الجزارين؟ وإلى متى نقبل هذه الأساليب الانتخابية الخسيسة والوسائل الرخيصة للوصول لواحد من أهم المناصب التشريعية والرقابية فى البلاد؟ فمنصب نائب مجلس الشعب لا يباع باللحمة إلا لو كانت دولة كفتة.. فلماذا نصر على أن نعيش كالأقزام؟ ولماذا يشعر الأحرار بأن أيديهم مغلولة وأنهم يساقون كل مرة خلف الجموع كالعبيد، وإذا كان الشعب راضيّا عن ذلك فلماذا قمنا بثورة رغم أن أبناء الحزب الواطى كانوا يوزعون أكثر من ذلك بكثير؟ وما الذى يدعون الناس لقبول ذلك.. هل هو الفقر.. أم الاستغلال.. أم أنه جين الفساد الذى دخل على خصائصنا الوراثية منذ عشرات السنين؟ قد يظن البعض أنى أهوّل وأن موضوع اللحمة والانتخابات أبسط بكثير من ذلك، فنحن لم نسمع مسؤولا مدنيا أو عسكريا أو حتى رئيس جمعية حقوقية يندد بما حدث فى العيد الكبير، فلقد صدقوا أنه كرم دينى، ولم يفكروا فى أنه فساد سياسى، وما أسوأ الخلط بين الكرم الدينى والفساد السياسى. من الصعب يا سادة أن نعيش فى دولة محترمة لو لم نحصل على مجلس شعب محترم، ولا أتصور أن هناك إنسانا محترما يشترى من حوله باللحمة لأنه سيعاملهم بعد ذلك كالمواشى يذبح البعض ويستمر فى حلب الباقى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة