إذا كان الحديث يجرى حول الدستور وتحديد سلطات الرئيس وتأكيد الفصل بين السلطات، والمبادئ التى يجب أن تحكمه، فإن هذه التعديلات سوف تظل شكلية، ما لم تصل إلى العصب، فالفساد الذى أصاب السلطة من أعلى امتد كالسرطان ولمس عظام المجتمع وجهازه العصبى، وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة التذكير بقيم «الحرية والعدالة والمساواة» التى دهست تحت أقدام الفساد والفوضى سنوات.
ويجب أن ينظم الدستور عمل الهيئات التى تختار الوظائف وأن تكون لجان الاختيار فى الشرطة والقضاء والنيابة والخارجية والجامعة علنية، وقراراتها مسببة، وقابلة للطعن عليها أمام قضاء مستقل، الأمر كله متصل ببعضه، من كل الجوانب، وقضية المواطنة التى يتحدث عنها البعض ليست طرحا نظريا ولكنها تحتاج إعادة تنظيم المجتمع من جديد، فقد حول النظام السابق الاستثناء إلى قاعدة، وأسند مهمة «تكييف» الدستور لغير الدستوريين، ولا تكفى أفضل دساتير العالم لإصلاح هذا الوضع، وإذا كان المواطن معتدى عليه.
لقد كان التعيين فى النيابة والقضاء مهزلة، مثلما كان مهزلة فى تعيينات الشرطة والجامعة والبنوك، والخارجية وغيرها، وحتى فى الوظائف الصغيرة والعادية التى لم يعد للمصريين فيها حق، مهما كانت موهبة المتقدم أو كفاءته، وخلال سنوات لم يعد للمصريين حقوق فى بلادهم، ووظائف لم تكن متاحة للمواطن أيا كان تفوقه أو مواهبه، وهى ظاهرة مستمرة منذ عقود وتحولت إلى قاعدة، ومن المستحيل أن يحصل مواطن على وظيفة لمجرد أنه يستحقها.
ولا يتعلق ذلك بالدستور والقانون الذى يفترض أنه يساوى بين المواطنين، لكنه نتيجة لسنوات تم خلالها عزل المواطن عن الشؤون العامة، وتحويل الحق إلى هبة أو رشوة.
المواطن لم يعد له حق فى الحصول على حقه ما لم يكن ابنا أو قريبا لأحد العاملين أو الكبار، وتوريث الوظائف الكبرى لم يعد أمرا شاذا لكنه القاعدة، ولا يجد كبار دعاة الإصلاح فى الأمر خروجا على معايير المساواة والعدالة، ولا يمكن تصور تحقيق أى عدالة بينما القائمون على ذلك احتلوا مواقعهم بالعدوان على قاعدة العدالة والمساواة.
الأمر أكثر وضوحا فى النيابة والقضاء، لأنها مناصب تتصل مباشرة بحياة الناس اليومية، لكن الأمر نفسه فى الخارجية والشرطة، والبنوك والجامعة، فضلا عن الوظائف المميزة فى الهيئات السيادية، أو الخدمية والاستثمارية ذات الدخل المرتفع، والمثير أن بعض القضاة يعتبرون تعيين أبنائهم حقا حتى لو كانت درجاتهم أقل أو كفاءتهم غير متوفرة، بينما يتم استبعاد أبناء الفقراء لمجرد أنهم فقراء، حتى لو كانوا متفوقين أو حاصلين على أعلى الشهادات.
وبدلا من الصراع العبثى حول المبادئ الدستورية فعلى هؤلاء الطامحين فى المواقع والقواعد أن يفكروا فى كيفية إعادة الحقوق لأصحابها، وضمان التوزيع العادل للمناصب، حتى يعود للمواطن شعوره بالمواطنة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة