حين عرف أحد أصدقائى بأنى قررت السفر لإيران قال لى: احذرى أن تجعليهم يضعوا تأشيرة الدخول على جواز سفرك، وإن كنت قد حصلت عليها بالفعل فعليك حين تعودين أن تغيرى الجواز لأن هذه التأشيرة على جواز السفر ستسبب لك مشاكل كبيرة..
فتعجبت وسألته مستنكرةً: هل تساوى تأشيرة سفر لإيران تأشيرة السفر لإسرائيل التى نرفض أن تعيب جوازات سفرنا! فرد: بل أكثر، لأنها ستمنع دخولك العديد من البلدان، وهو ما تحتاجه مهنتك، بالإضافة للمشاكل التى ستواجهينها فى مصر.
انتهى تعليق الصديق الذى لم يكن ينم عن غير كلمة واحدة «إيران فوبيا» أو الخوف المرضى من كلمة إيران، فهى الشيطان الأعظم لدى أمريكا سيدة العالم، فصدرته لنا وساعدها فى ذلك نظم حكم كثيرة عربية، وبالتأكيد كان النظام المصرى السابق على رأس هذه النظم.
سافرت إلى إيران فى وفد يضم مجموعة من ناشطات فى مجال السياسة والمجتمع، لا أعرف منهم أحدًا بشكل مسبق، فبدت سفرتى وكأنها إلى المجهول مكانًا وصحبة. فالمكان، وهو إيران، كما يمثل حالة التباس فى العقل الجمعى للمصريين، يشكل لى أيضًا حالة التباس مسبق ما بين الخوف والإعجاب.
رتبت لنا منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية الداعية للوفد برنامجًا مكثفًا يوميّا لزيارة أقطاب السياسة والدين وحتى العلوم والطب فى إيران، وعلى قدر أهمية هذه الزيارات واللقاءات فإن اهتمامى كان منصبّا على رؤية ومعايشة الناس فى شوارع طهران، فالأمم لا تُعرف من مسؤوليها وزياراتهم المرتبة ولكنها تُعرف من شوارعها وناسها السائرين على أقدامهم، وحاراتها المخفية عن أعين الغرباء.
وقد حاولت التخلص طوال ثمانية أيام من حصار رسمى إيرانى، وأزعم أنى نجحت إلى حد ما فى ذلك، فسرت فى شوارع طهران دون مرافقين واستقليت المواصلات العامة مثل الأوتوبيس ومترو الأنفاق، وسرت فى الأسواق أحدث البشر دون ترتيب.
وأزعم أنى استخلصت عدة أفكار وانطباعات عن بلد يشكل اسمه عناوين الأخبار:
إيران بلد الحزب الواحد والنظام الديكتاتورى وحكم الملالى، وممنوع فيها الفضائيات والفيس بوك والتويتر وكثير من المواقع على الإنترنت، ومسجون فيها كتاب رأى وصحفيون وفنانون، ولكنها ليست هذا فقط، فهى ليست على الصورة التى صدرها لنا نظام مبارك وأمريكا عقودًا حتى باتت مرادفة للخوف فى عقولنا، إذًا إيران ليست الشيطان.
أحببت كونى امرأة فى إيران، فلم أشعر بأنى كائن من الدرجة الثانية أو العاشرة، كما أشعر فى بلدان أخرى ترفع راية الإسلام، فالمرأة فى هذا البلد حتى لو كانت مأمورة بأن تغطى رأسها بقانون إلا أنها لا ينظر لها ككائن أقل شأنًا من الرجل، المرأة فى إيران كائن كامل، إذًا إيران ليست هى الشيطان.
إيران بلد تدق الحرب على أبوابها دومًا ويحاصرونها، ولكن ذلك الحصار جعلها تطور إمكانياتها ولا تعتمد على الغير فتبدو بلدًا متقدمًا بل إن عاصمتها لا تقل تقدمًا عن أى عاصمة غربية زرتها، إذًا إيران ليست الشيطان.
يوجد فى إيران أقل من 20 ألف مسيحى يمثلهم نائبان فى البرلمان و20 ألف يهودى يمثلهم نائب واحد وعدد أقل ممن يدينون بديانة زرادشت ويمثلهم نائب واحد أيضًا، إذًا إيران ليست الشيطان.
هناك حالة عامة بين الشعب الإيرانى فى حب مصر، فما أن يُذكر اسمها حتى تجد العيون تحيط بك إعجابًا وأملاً فى أن يُكتب لها يومًا أن تكتحل برؤية النيل والأهرامات وأبواب أولياء الله الصالحين وآل البيت المدفونين فى مصر، ولهذا فعلى المستوى الرسمى ذكر لى مسؤول إيرانى بأنه فى اللحظة التى ستسمح مصر فيها بمنح الإيرانيين تأشيرة دخول فإن هناك أكثر من نصف مليون سائح إيرانى مستعدين لزيارة مصر، مما سيوفر دخلاً يوميّا نصف مليون دولار، إذًا إيران ليست الشيطان.
_ فى رحلة العودة جلست فى الطائرة إلى جوار رجل وامرأة إيرانيين، كانت المرأة تبكى، فدفعنى فضولى لسؤالها، فقالت إنها راحلة عن إيران لأمريكا حيث سبقها للهجرة زوجها وأخوها وأن الحياة فى إيران صعبة، أما على الجانب الآخر فكان الرجل هو حفيد دكتور مصدق، رئيس الوزراء الإيرانى، الذى أمم البترول، فانقلب الغرب عليه، والحفيد يعيش فى بريطانيا منذ 37 عامًا ويعمل فى تجارة الأنتيك، ولكنه قرر العودة بشكل جزئى إلى إيران، وحكى لى عن حبه واحترامه لأحمدى نجاد الذى يرعب اسمه أعضاء البرلمان الإنجليزى، قالها سعيدًا فخورًا ببلاده التى قرر أن يعود إليها.
وما بين الرغبة فى الهجرة والعودة لها من المؤكد أن إيران ليست الشيطان، ولكنها ككل البلاد ألهمها الله مواصفات يحبها البعض ويرفضها البعض الآخر، ولكنها فى كل الأحوال ليست الشيطان.