لا تصدق أحدهم إن أخبرك بأنه يملك إجابات يمكن وضعها خلف فيضان علامات الاستفهام الذى يغرق مصر، واعتبره مجنونا ودرويشا من يأتى ليخبرك بأنه يملك الإجابة عن سؤال: مصر رايحة على فين؟!
أمر مصر الآن يشبه أتوبيسات النقل العام الذى تتخيل أن طريقها مستقيم وبالتالى توقيت مغادرتها المحطة ووصولها إلى المحطة الأخرى تمام ومضبوط بالثانية، لمجرد أن لها مسارا مروريا محددا من قبل، ومع ذلك لم يصدف أبدا ولو على سبيل النكتة أو المعجزة أن خرج أتوبيس نقل عام من محطته فى ميعاد معروف ووصل إلى أخرى فى وقت معلوم، والعيب هنا لا يكمن فقط فى السائق الذى يسعى لافتكاس حلول مرورية جديدة لتفادى المطبات والزحام، أو لأنه يأخذ طريقا مخالفا لمساره المحدد مسبقا للحصول على كوب شاى أو سنتدوتش فول للاصطباحة، الأزمة هنا تشارك فيها دولة بكل أجهزتها، وكثير من المواطنين الذين يرون أن من حق الأتوبيس وسائقه عليهم أن يقف بهم أمام سرير نومهم مهما كان بعيدا عن المحطة المقررة له.
تلك هى أزمة المرحلة الانتقالية باختصار.. الارتباك والعشوائية وفقدان مهارة التعامل مع المستقبل، وسعى فئات كثير إلى مكاسب شخصية، ثم هل يوجد وطن يبدأ مرحلته الانتقالية نحو الديمقراطية ببقايا مؤسسات نظام ديكتاتورى قائم على الفوضى؟ وهل يمكن أصلا أن نؤسس لمرحلة انتقالية محترمة دون حسم الكثير من الأمور الثائر حولها جدل مثل الدستور والوثيقة الحاكمة والعزل السياسى وشكل البرلمان القادم ودوره؟!
هذه ليست دعوة للإحباط والخوف، بقدر ما هى دعوة للوقوف أمام الحقيقة والتأمل فى تفاصيلها بعمق، وإن كان قطار المرحلة الانتقالية خرج من محطته الأولى ووصل بشوائبه ومخلفاته وأعطاله إلى محطة الانتخابات، فعلى الأقل يجب أن تقف القوى السياسية وتتضامن لأجل ضبط قضبان هذا القطار وإعادته إلى مساره الصحيح، بالبحث عن إجابات سريعة وحاسمة لأسئلة هامة مثل: هل توجد خطة أمنية واضحة لتأمين الانتخابات دون أن تسيل دماء المصريين كما حنفيات الحدائق المفتوحة ليل نهار بلا سبب؟ كيف نطمع فى عملية انتخابية هادئة وبرلمان مستقر ولم نحسم بعد مصير قانون العزل السياسى الذى يهدد البرلمان القادم؟ ما هو الشكل النهائى للجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور؟ وهل حدث توافق على طرق تشكيلها وعملها أم لا؟ هل توجد ضرورة لوثيقة المبادئ الدستورية؟ وكيف يمكن إصدار وثيقة بمثل هذه الأهمية دون توافق التيارات السياسية المختلفة عليها؟ هل الوضع الاقتصادى للبلد مطمئن ويسمح بإطالة أمد الفترة الانتقالية أكثر من ذلك؟ هل المجلس العسكرى جاد ومخلص فى تسليم السلطة فعلا؟ وأخيرا.. هل لديكم مشكلة فى أن نتحلى ببعض الشجاعة والاتساق مع الذات ونعلن فشل مرحلتنا الانتقالية ونعود لنفتح صفحة جديدة ونكتب فيها تاريخ مصر المستقبل من جديد؟
الإجابة عن تلك الأسئلة بوضوح وصراحة وإخلاص ليست نوعا من الترف واللعب فى الوقت الضائع، ولكنها محاولة لتصحيح مسارات ما، وكشف غموض الأيام التى نعيشها، والحيرة التى تسيطر على الجميع، بدليل أن جميع الجلسات الحوارية تليفزيونية كانت أو فى مكاتب مسؤولين حول الانتخابات والقوائم واللجان والوثيقة والدستور والجمعية التأسيسية تنتهى إلى لا شىء، ولا يقول ملخصها إلا شيئا واحدا فقط.. «والله.. ماحدش فاهم حاجة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة