أن يقول المجلس العسكرى أكثر من مرة أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، محاولاً تبرير مواقفه الغامضة وانحيازاته الواضحة لمنطق الرئيس المخلوع فى الحكم والإدارة. ثم يردد وزير الإعلام أسامة هيكل هذه الجملة المشبوهة وهو يحاول الدفاع عن سياسات وزارته (تحديداً تليفزيونه) التى تحابى تيارات سياسية معينة وتخاصم أخرى (الطبعة العربية من الأهرام 11/11/2011)، فهذا يعنى باختصار أنهم لا يريدون الاعتراف بالثورة العظيمة التى أشعلها شباب مصر المدهش فى 25 يناير الماضى، وانضم لها بحماس وإيمان غالبية الشعب العظيم.
لماذا؟
لأن المجتمع المصرى قبل الثورة وبعدها لم يكن كتلة واحدة تجمعها مصالح وأحلام محددة، بل كان ينقسم إلى طبقة قليلة العدد تحكم وتملك (مبارك وعائلته وزبانيته وحكوماته) فى ناحية، وطبقات كثيرة فقيرة ومقهورة ومحرومة من المال والنفوذ وأبسط الحقوق فى حياة إنسانية كريمة (عمال وفلاحون وموظفون صغار وشباب عاطل إلى آخره فى ناحية أخرى)، لذا اندلعت الثورة لتحاول ضبط ميزان العدل الاجتماعى من جهة، ولاستعادة الكرامة المهدورة للإنسان المصرى من جهة أخرى!
لكن ما يحدث منذ نجاحنا فى طرد الرئيس مبارك من عرين السلطة فى 11/2/2011 وحتى الآن يؤكد أن الذين آل لهم حكم مصر، واستأمنهم الناس على براءة الثورة ومطالبها المشروعة، لم يكونوا سوى وجه آخر من وجوه مبارك بكل أسف. وعليه اعتبروا الثورة (مصيبة) حلّت بهم، يجب احتواؤها والقضاء عليها بكل السبل المشبوهة. وما أدراك ما هذه السبل؟ إنها الرعونة فى مواجهة الانفلات الأمنى. إنها إغراق الناس فى مستنقع الانتخابات. إنها إشهار سلاح المحاكمات العسكرية للمدنيين (حكاية المناضل المدنى علاء عبد الفتاح والسيدة العظيمة والدته ما زالت تفضح وتجرح). إنها الإصرار على تفعيل قانون الطوارئ. إنها الإبقاء على وزارة باهتة الملامح والإيقاع، على الرغم من الخيبات المتتالية التى لازمتها بانتظام. إنها عدم اتخاذ أى خطوة لضبط المرور فى القاهرة وإصلاح شوارعها والقضاء على القمامة التى تتراكم فى كل مكان تقريباً. إنها السماح للمشبوهين والفاسدين من رجال الحزب الوطنى بالحضور والتواجد إعلامياً مرة أخرى بعد أن كانوا قد تواروا عن الأنظار خجلاً وخوفاً فى بدايات نجاح الثورة (ظاهرة أبناء مبارك دليل فج يدين من يحكم مصر الآن). إنها التعديلات الدستورية وتعديل التعديلات، ثم تعديل تعديل التعديلات حتى يلعن الناس الثورة ويكرهونها.
كيف إذن يجرؤ حكامنا على القول إنهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع؟ إنها عبارة تؤكد انحيازهم للطبقة التى كانت وما زالت تحكمنا. طبقة مبارك ورجاله، لا طبقات الشعب الثائر وبسطائه الذين ضحوا بدمائهم من أجل استرداد حقوقهم المنهوبة، وللأسف لم يفوزوا إلا بإبعاد رأس النظام وعائلته عن السلطة لا أكثر ولا أقل!
قل لى من فضلك لماذا لا نعرف مرتبات كبار رجال الدولة وأعضاء المجلس العسكرى والوزراء ودخولهم؟ ألم تطالب الثورة بالشفافية؟ هل تعلم أن مديرى الأمن السادة اللواءات كان الواحد منهم أيام مبارك يتقاضى رسمياً أكثر من 300 ألف جنيه؟ بينما لا يتعدى مرتب موظف قديم نسبياً مبلغ 800 جنيه؟ ترى كم يتقاضى السادة اللواءات فى الشرطة والجيش الآن بعد الثورة؟ وهل يصح الكلام عن مسافة واحدة، بينما ملايين المصريين ما زالوا يكابدون فقراً مدقعاً؟ لماذا لم يعلن الذين استولوا على السلطة فى غفلة منا عن برنامجهم الاقتصادى وإلى من سينحاز هذا البرنامج؟ واضح تماماً مما تم حتى الآن أنهم يواصلون السير على خطى حكومات مبارك التعيسة التى تحتقر الملايين وتفقرهم وتذلهم، فى الوقت الذى تحابى فيه المئات وتدللهم وتدعمهم!
باختصار... (إن مسافة واحدة من الجميع) عبارة ملغومة تخفى بين حروفها الخداعة انحيازاً مؤكداً لنظام مبارك ورجاله وحزبه وزبانيته، الأمر الذى يحتم علينا الانتباه جيداً قبل أن يخنقونا ويضعضعونا مرة أخرى مثلما كان يفعل كبيرهم الذى علمهم البطش واحتقار الناس!
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
عبارات تاريخيه
عدد الردود 0
بواسطة:
أي حاجة
معاك حق في رواتب اللواءات
عدد الردود 0
بواسطة:
فهد سيناء
مصر إلى أين
عدد الردود 0
بواسطة:
حازم البهواشي
علامات استفهام؟؟؟؟؟