المصريون ظلوا يحلمون بالحرية والعدالة والمساواة فإذا بهم داخل جدل حول المسميات وحروب تستنفد الجهد والوقت. لم يعد الدستور هو فقط الذى يحتاج لمناقشة، بل التسلط الذى يفرض نفسه، ونراه فى أفراد وجماعات وأحزاب يريد كل منها فرض رؤية واحدة على الجميع.
كثيرون راهنوا على أن الإخوان كجماعة يمكنها أن تشارك فى صياغة المستقبل بما لها من خبرات وكوادر، وأن السلفيين وغيرهم سوف يعرفون قيمة الحرية والعدالة والمساواة، لكن المراهنون اكتشفوا أن النقاش حول المستقبل تحول إلى استعراض للقوة ونفى المخالفين، واحتكار الحديث باسم الشعب.
عصام العريان ـ وهو من الشخصيات ذات الخبرة ـ قال: إن مصر الآن بها تعددية يجب أن نحترمها، ويوجد أيضًا اختلاف فى الآراء، والأجدى نركز أكثر على ما يجمع وليس ما يفرق». لكن العريان فى نفس المؤتمر الجماهيرى الذى تحدث فيه عن الاختلاف، خرج سيد عبدالكريم، القيادى بالجماعة ليلقى بخطاب يخلط الأوراق ويوزع الاتهامات. وصف عبدالكريم من يخالفون آراء جماعته بأنهم خمورجية وحشاشين، وقال إن «عائلات ساويرس وغالى وتكلا عملاء للخارج» خطاب متعال عنصرى يسبغ وصف «العمالة» على عائلات ومواطنين بلا دليل.
ويصر بعض الإخوان وبعض السلفيين على نشر ادعاءات تعتبر الدولة المدنية ضد الإسلام ويتجاهلون أنها دولة العدل والمساواة والحرية التى يكون المواطنون أمام القانون فيها سواء.
حزب النور السلفى خرج ليعلن رفض وثيقة السلمى، لكن الرفض تحول إلى محاولة أخرى لفرض تصور ضيق وناقص عن الدولة والمواطنة.
حزب النور يعترض على مبدأ «دولة مدنية ديمقراطية موحدة غير قابلة للتجزئة» ويدعو لأحزاب دينية، ويرفض «حماية الأقليات مثل النوبيين وأهل سيناء»، ويرفض أن تكفل الدولة لجميع المواطنين حرية العقيدة وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وتحمى دور العبادة، ويرفض أن يكون «لكل مواطن حق تولى الوظائف العامة، إذا توافرت فيه شروط توليها، وذلك دون أى تمييز» ويطالب بتحديد دين رئيس للدولة، ويسخر متحدث الحزب السلفى من نص يقول «لكل مواطن حق المشاركة فى الحياة الثقافية بمختلف أشكالها وتنوع صورها، ويتضمن ذلك الحق فى حرية الاختيار وحرية الرأى»، ويعتبر أن حرية الرأى هى حرية الردة والكفر.
نحن هنا أمام رفض لمبادئ الحرية والعدالة والمساواة التى قامت من أجلها الثورة، وأسقطت نظاما متسلطا وأخرجت البعض من المنع إلى عالم الحرية الذى يريدون تقييده اليوم.
هم يقولون الشعب يريد، ولا يقولون هذا تصور الإخوان أو السلفيين. لدينا نموذج ماليزيا وتركيا وتونس وإيران وكلها ذات مرجعيات إسلامية، ولا نرى فى الخطاب الطائفى والمتعصب سوى نموذج طالبان، الذى لم يقدم لأهله ولا لغيره فائدة.. لقد ذهب نظام متسلط فإذا بنا أمام متسلطين جدد، يبتعدون بنا عن أهداف الحرية والعدالة والمساواة.