يتصور صانعو الأفلام السينمائية المصريون أن الكوميديا إنما هى فقط للترفيه، ولذلك فإنهم يؤكدون «أن الحالة المزاجية للمواطنين لا تسمح بمناقشة مشاكل وقضايا دسمة، ومن المناسب جدا أن تُقدم لهم وجبة كوميدية تلطف سخونة الأحداث التى نعيشها»، وهذا يعكس عدم الفهم لحقيقة الكوميديا فقد عرفت الملهاة «الكوميديا» بتوصيفات مختلفة فى كثير من البلاد العربية، ففى بلد يوصف بأنه عبث «بمعنى أنه لا فائدة منها»، وفى بلد آخر بأنها تهريج أو مسخرة، أما أطرف وصف سمعته للكوميديا فكان فى العراق فيصفونها بأنها «قشمرة» وعرفت بعد ذلك أن «قشمر» كلمة تركية تعنى «الممثل الكوميدى» فالكوميديا ليست مجرد «قشمرة» لا تسمح بمناقشة مشاكل وقضايا دسمة، كما أنها ليست مجرد وجبة لتلطيف سخونة الأحداث»، لكنها تقدم كل الأحداث الساخنة والقضايا المهمة فى حياة البشر، حيث يشعر المتفرج بتفوقه بكون الكوميديا تتطلب منه موقف محاكمة لا خوف ولا شفقة، ويكون موقفه هو السخرية ممن أهانوه فى أعظم قضاياه الحياتية من قضايا الحكم أو الحصول على رغيف الخبز أو الفساد الذى فرض حصاره الظالم الكريه عليهم، الكوميديا من أهم أسلحة الشعوب المتحضرة فى إحداث التغيرات الاجتماعية والقيمية، وهذه هى الثورة، وبالتالى فإن التطهير الذى تحدثه الكوميديا هو نوع ضرورى من التنفيس واستثارة الوعى لأنها تشكل التصاقا بالواقع اليومى، حيث تقدم كشفا لكل ما يعوق استمتاعه بحياته ككائن حى من حقه أن يستمتع بوجوده فوق هذه الأرض، بهذا المعنى كنت أتابع الممثل الكوميدى «أحمد مكى» حيث إنه مثل لى النموذج الذى من الممكن أن نلمح فيما يقدمه بعضا مما نفهمه عن الكوميديا، واعتبرته قشمرى المفضل، وأحمد مكى قشمر استطاع عمل تاريخ للشخصية التى يمثلها، وكأن الشخصية هى حياته العادية كما قال لى بعض من أصدقائه، كما أنه هو من صنع الكثير من الشخصيات، و«أحمد مكى» ظاهرة اجتماعية لها علاقة ترتبط بعروة من الفهم المتبادل بين ما يطرحه القشمر مكى وبقية الشباب الذين يتفاعلون مع طزاجة الأفكار وتركيبة الشخصيات التى يصنعها ويتقمصها ويقدمها فى أشكال طريفة تلمس شيئا ما فى عقول الشباب «والكبار أيضا» ووجدانهم، وربما فى غلظة بعض التعبيرات التى تحمل دلالات جنسية، لكنها ليست مثيرة للغرائز كما فى أفلام السيدة نادية الجندى «وسلملى على البندجان» أو «ما تقوليش»، «يا تاج راسى»، ولكنها تكتسب بعدا فلكلوريا جميلا مثل عبارات توفيق الدقن «العلبة دى فيها إيه» و«ألوه يا أمم»، و«مكى» يستخدم نفس التكنيك كان شارلى شابلن يقول: «يوم بدون سخرية هو يوم ضائع»، وشارلى شابلن هو صاحب أهم شخصية كوميدية أمتعت العالم، وقدمت للبشر كشفا عن الظلم والفساد الذى يحيط بهم، وأصبح «شارلى» من خلال شخصية «الصعلوك»، أشهر نجوم الدنيا، واستمر فى تقديم هذا الدور فى العشرات من الأفلام الصامتة، وعندما بدأت فترة الأفلام الناطقة ونطقت الشخصيات على الشاشة، رفض «شارلى» أن ينطق «الصعلوك» فقد كان «الصعلوك» هو المتشرد ذو الأخلاقيات التى ترفض الزيف فى البشر، فقيرا بملابسه وغنيا بكبريائه وكرامته وشهامته، لقد كان «الصعلوك» هو «شابلن» نفسه، وبعد تمثيله لشخصية هتلر فى فيلم الدكتاتور العظيم قال: مستعد أن أفعل أى شىء لأعرف ما رأى هتلر فى هذا إن الصعلوك هو بملابسه الرثة متشرد ذو أخلاق، وكرامة رجل شهم، أنا ما أزال على حالة واحدة، حالة واحدة فقط، وهى أن أكون كوميديا، فهذا يجعلنى فى منصب أكبر من السياسى». هل يعى أحمد مكى الصعلوك «هيثم دبور» درس سلفه العظيم ليتحول من مجرد «قشمر» إلى «ساخر كبير»؟ هذا سؤال سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.