أى اقتصاد فى العالم يقوم على أربعة أرجل أو أركان رئيسية، ولا يمكن أن يستمر هذا الاقتصاد بدونهما جميعا أو منفردين، وهى (التمويل، التشغيل، الإنتاج، الاستهلاك)، مدعومين بقانون قوى، ولو نقص ركن من هذه الأركان فقد الاقتصاد حلقة مهمة ضرورية لبقائه كاقتصاد سليم قابل للحياة بمفرده وبدون تدخل حتى من حكومته.
ومع أن هناك الكثير من الاقتصادات المجاورة لمصر لا تملك الأربعة أرجل، إلا أنها استطاعت أن تعوض هذا النقص بطريقة ما، مثل تركيا التى أصبحت من أكثر الاقتصادات نموا (أفضل 16 اقتصاد فى العالم).
فرغم أنها كانت إلى عهد قريب تواجه نقصا حادا فى التمويل وتجاوز التضخم 150%، وانهارت الليرة التركية، إلا أنها استطاعت أن تستثمر ما تملكه من ثروة سكانية كبيرة، خصوصا العاملين فى الخارج (7 ملايين تركى) واستغلال تحويلاتهم، بالإضافة إلى تنمية القطاع الصناعى الذى أصبح يساهم بـ40% من الناتج المحلى، والتوسع فى التصدير وتشجيعه، وتسهيل إجراءات الاستثمار الأجنبى، وسط رقابة عالية من الدولة، بذلك تغلبت على نقص ركن أساسى لأى اقتصاد، وهو التمويل وأصبحت من أكبر اقتصادات العالم.
النموذج التركى هو أقرب الأمثلة للاقتصاد المصرى، فالمشاكل التى يواجهها الاقتصاد المصرى هى نفسها (نقص التمويل)، كما أن الإمكانات هى نفسها فعدد السكان تقريبا واحد (تركيا 75 مليون، ومصر 80 مليون نسمة) وهم المستهلكون، ومعدلات التشغيل والإنتاج كانت إلى وقت قريب واحدة، إلا أن تركيا استطاعت تطوير الإنتاج بشكل ضخم اعتمادا على القطاع الصناعى والتصدير، وبالتالى زاد التشغيل، فقفز الاقتصاد ليكون من أفضل اقتصادات العالم، وليس هذا لشىء، إلا لأنها وضعت خططا تنموية مدروسة وقابلة للتنفيد اعتمادا على إمكانات البلد ومقدراته الطبيعية، وقامت بتنفيذها فى موعدها فأتت أكلها.
أما فى مصر فعلى العكس تماما، فخطط حكوماتها وهمية، للاستهلاك المحلى فقط، كما أنها غير قابلة للتنفيذ أصلا، واقتصادها يسير بـ"البركة" وليس بالخطط، والبنوك توقفت عن التمويل لسبب ظاهره الحق وباطنه الباطل، فالحكومة أعلنت رفضها الاقتراض الخارجى واعتمادها على السوق المحلية (البنوك) عن طريق طرح سندات الخزانة بفائدة كبيرة، وهو ما جعل البنوك تتخلى عن مهمتها الحقيقية وهى التمويل، حتى تشترى سندات الحكومة، وخسر الاقتصاد أهم أركانه وهو التمويل، فأوقفت الشركات مشروعاتها أو قلصتها بسبب ذلك، وضعف التشغيل، وارتفعت البطالة، ولجأ الناس لربط الأحزمة وتقليل الاستهلاك، فأوقفت شركات أخرى خطوط إنتاجها بسبب نقص الطلب فتعثرت، ولم تسطع تسديد ديونها السابقة للبنوك.
وهكذا انفرط عقد الاقتصاد وأدى نقص رِجل واحدة من أرجله لتعثر باقى الأرجل، وسقوط الاقتصاد فى دوامة ركود ستستمر سنوات إذا لم يسارع المسئولون لإعادة التمويل مرة أخرى بقوة وبكل الوسائل، وخصوصا الشركات الصغيرة التى هى عمود أى اقتصاد ناشئ، حتى لا يظل اقتصادنا "اقتصاداً أعرج" قابلا للسقوط فى أى وقت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة