محمد الدسوقى رشدى

قفص مبارك ووثيقة السلمى

الجمعة، 18 نوفمبر 2011 07:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى نفس هذا المكان، وقبل شهور من الآن، كانت هنا سطور تحكى عن خطر وجود مبارك داخل القفص بالشكل الذى بدت عليه الأمور من انشغالنا بتفاصيل حياة المخلوع داخل القفص أكثر من انشغالنا بمصير القضية ومصير المرحلة الانتقالية، وقتها أشارت السطور إلى خلل ما فى ترتيب الأولويات، وإلى تلك المحاولات غير معلومة المصدر التى تدفع الناس للانشغال بنوم مبارك على سرير أو لعبه فى «مناخيره»، عن معارك أخرى أهم تتعلق بالدستور والانتخابات ورسم طريق أفضل للمرحلة الانتقالية، وهى نفس اللعبة التى تبدو جلية بطرح مسألة الوثيقة بكل ما يحيط بها من غموض وتناقض فى الأقوال والتصريحات والمواقف.

السطور التى كانت هنا تتحدث عن محاكمة مبارك وكيف تحولت لسيف على الثورة لا لها، تعال نقرأها معا بهدوء مرة أخرى.. ولا تنسَ أن تضع فى ذهنك وثيقة المبادئ الدستورية.

أدعوك لأن تتوقف قليلا لتؤكد لنفسك أن محاكمة مبارك ومشاهدته داخل قفص الاتهام - مثلها مثل الوثيقة تماما - ما هى إلا مطلب واحد من ضمن مطالب هذه الثورة، وهو ليس أهمها أو أعظمها، وإن كان أكثرها إثارة، عظيم جدا أن يكون مبارك داخل القفص لا يملك سوى أن يختطف النظرات المرتعشة للجمهور، وجميل جدا أن يظهر جمال الذى كان يُمهَد له الطريق نحو الرئاسة فوق أجسادنا وهو كسير خلف القضبان يجنى ثمار ما زرعه طمعه، والأعظم من هذا والأجمل من ذاك أن يرسم التاريخ هذا المشهد ليبقى فى ذاكرة مصر شاهدا على عظمة وإرادة شعبها، ومحفورا على الصخر كعبرة وعظة لكل قادم نحو كرسى الرئاسة أو أى كرسى آخر بطعم السلطة والمسؤولية، ولكن ليس عظيما أبدا أن تتحول محاكمة مبارك إلى فقرة تليفزيونية يتخطى الهوس بها كل الحدود ويجبر الناس على الجلوس لمتابعة تفاصيلها والانشغال بأحداثها عن مستقبل الوطن ومستقبل الثورة، مثلما نحن مجبرون الآن على متابعة مشاهد مسلسل الوثيقة العبثى الذى يشغل الجميع عن معركة أهم هى الانتخابات.

ليس عظيما أبدا أن يخرج علينا كبار مثقفينا والبعض ممن نصّبوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة ليخبرونا بأن وجود مبارك فى القفص هو منتهى الثورة، مثلما يفعلون الآن ويسعون لإقناع الناس بأن وثيقة المبادئ الدستورية هى منتهى التحضر والرقى الدستورى. ليس عظيما أبدا أن يتم اختزال تلك الثورة فى مشهد واحد قد لا يعنى الكثير إذا لم ننجح فى تطهير البلاد فعليّا من الفساد وتحقيق ما نرجوه من الحرية والعدالة الاجتماعية، ووضع خريطة طريق حقيقية نحو مستقبل أكثر إشراقا من الحاضر الذى نعيشه.

ستختفى عظمة المشهد إن نجحوا فى أن يشغلونا بمحاكمة مبارك ووثيقة المبادئ وفزاعة الإخوان والسلفيين عن متابعة ما يحدث فى الفترة الانتقالية، لن يكون فى المشهد أى فرحة أو تأريخ إن بقينا على حالنا مشغولين بـ«مناخير» السيد الرئيس، وبنود وثيقة لا يريد لها الجميع سوى أن تكون استرشادية.

شاهدنا مبارك فى القفص وارتوت المساحات القاحلة والعطشى للانتقام ورؤية عدل الله فى أرضه، وها نحن نسقط فى نفس الفخ ونجلس فاغرى الأفواه أمام مسلسل الوثيقة، بينما نصف الشعب لا يعرف كيف ينتخب؟، أو ما هو الفرق بين القائمة والفردى؟، وما هى صفات النائب الذى تريده مصر فى المرحلة القادمة؟! فهل نتعلم من درس الشهور الماضية ونعود لنتابع مسار هذه الثورة حتى لا تضل أو تضيع فى غفلة منا، ونحن مدركون أن مشهد وجود رجل خلف القضبان، حتى ولو كان رئيسا مخلوعا، ربما يحقق إيرادات جيدة فى شباك التذاكر، ولكنه لا يكفى للفوز بأى جائزة فى مهرجانات النهضة والتقدم؟.. وحدها بقية مطالب الثورة هى القادرة على صنع ذلك.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة