ما الذى جعل اللواء الفنجرى يصطحب معه وزراءه، ويعطل المرور لساعات، من أجل احتفالية باهتة برفع علم مصر على سارية نادى الجزيرة؟، وكيف يتخيل السادة الوزراء واللواءات أننا سنبتلع فكرة أن رفع العلم «فى إطار الاحتفال بنصر أكتوبر»، وقد مر على هذه الذكرى أسابيع طويلة مليئة بالمحزنات والأحداث العاصفة؟، وهل يظن المجلس العسكرى أننا بالسذاجة التى تجعلنا نصدق أن تزامن هذه التظاهرة البائسة مع يوم ميلاد المشير من قبيل المصادفة السعيدة؟، أم أنه يريد أن ينفخ بهذه الحركة الاستعراضية المفتعلة «بلّونة» جديدة بتمرير الاحتفال بعيد ميلاد المشير الـ«79»، فلو نجحت يعممونها فى السنوات المقبلة من حكمه المديد، ويعممونا بالمرة.
نحن الآن أمام إعادة إنتاج للمقولة الاستبدادية الشهيرة «أنا الدولة والدولة أنا» التى قالها الديكتاتور الفرنسى «لويس الرابع عشر»، مازجا بين كيان الدولة ومؤسساتها وشخصه، وها نحن قد رأينا بعيوننا تمثيلا حقيقيا لهذه المقولة، فقط بعد تحديثها لمواكبة العصر، وكأنما يريد المشير أن يقول «أنا العلَم والعلَم أنا»، ولو كان أحد الصحفيين أو الإعلاميين الخونة يأمن على نفسه من الثورة المقبلة لكتب يقول: «إنما ولدت مصر يوم ولدتَ يا سيادة المشير»، ولتبارى أصحاب الآمال العريضة فى السلطة والثورة فى تقديم فروض الولاء والطاعة، ولأشعلوا بجوار العلم شمعة ملونة بالأبيض والأحمر والأسود.
ما يستفز مشاعرى هو أننا مازلنا نبخس من قيمة القيم النبيلة، وندفع بها إلى ما هو دونها من أغراض، فالمشير يستخدم العلم فى الاحتفال بعيد ميلاه، مثلما يستخدم المتطرفون الدين فى الترويج لأنفسهم، ولقد مللنا من اللعب على المشاعر الوطنية والدينية من أجل أغراض سياسية رخيصة تمهد للاستبداد، سواء باسم الوطنية أو باسم الإله، والوطن والله منها براء، ما أحزننى أكثر أن يشترك فى هذه المسرحية وزراء محسوبون على الثورة، مثل الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة، والدكتور عمرو حلمى وزير الصحة، وكنت أربأ بهما أن يتورطا فى مثل هذه الأفعال الملغزة المحيرة.
لم يكن علم مصر بحاجة إلى أن يرتفع على سارية الجزيرة، ولم يكن المجلس بحاجة إلى أن يستدعى المطرب محمد فؤاد المعروف بميله للبكاء على مبارك وأبنائه، مصحوبا بحفنة من «الكومبارس» لنرى علم مصر وقد حرمهم من الرفرفة والخفقان، فميدان التحرير هو من وضعه فى قلوب مليارات البشر، وأبناؤه هم من رفعوه بصدق، فأعادوا اكتشافه وصار لرفرفته معنى وشكل وجلال، فلا تمسخوا على وطننا بعدما ذقنا حلاوته ورأينا بهاءه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة