يسقط نظام الحكم بسقوط رموزه.. الرئيس والحكومة والحزب الحاكم الفاسد ومجالس تشريعه المهترئة ووزارة داخليته التى لم يشغلها طوال السنوات العشر الأخيرة سوى حماية أمن الرئيس ووريثه بقمع كل معارض محتمل لسيناريوهات الفساد المهيئة لنجاح مشروع التوريث، التى كان يجرى الإعداد له على قدم وساق.. سقطت رموز النظام ولم يسقط كامل النظام لأن الثوار أرادوا «وهذه حقيقة يتم تجاهلها» ألا تنهار الدولة بانهيار آخر أعمدة النظام وهو قواته المسحلة.. أقنع الثوار أنفسهم وصدقهم الشعب بأن هذه المؤسسة - رغم كونها من مؤسسات النظام - لم تكن راضية عن توجهات النظام نحو التوريث «لاعتراضهم فقط على شخصية الوارث» ولم تكن سعيدة بأداء وزارة الداخلية التى تجاوزت ميزانيتها ميزانية الجيش لأول مرة فى تاريخ مصر.. الثوار كانوا يعرفون جيدا حدود قوتهم فسلموا - بكل الصدق - راية الثورة إلى مجلس عسكرى لم يتورط كثيرا فى قمع الثوار، واختار أن يقف على «الحياد» يوم أن كان فلول النظام السابق يستميتون للعودة بعد إخلاء ميدان التحرير فى يوم الأربعاء الدامى.. الثوار يعرفون جيدا الفرق بين انهيار دولة وبين سقوط نظام.. ولكن.. وآه من هذه الـ«لكن».. من الذى يسمح الآن بانهيار الدولة المصرية، بعد أن ذهب الثوار إلى منازلهم تاركين السلطة - كل السلطة - لمجلس أرادوه محققا لمطالبهم مدافعا عن ثورتهم؟! وما هى الدولة إلا المؤسسات المعبرة عن المجتمع وما تواضع عليه من عقد اجتماعى يصوغ ممارسته للحياة تحت مظلة قانون واحد تسرى قواعده على الجميع دون تمييز.. إذا انهار هذا القانون انهارت الدولة.. وإذا سمح أى نظام حاكم بانهيار دولة فهو يرتكب جريمة الخيانة العظمى بحق شعبه ولا يستحق البقاء لحظة واحدة بل يحق عزله وتقديمه لمحاكمة عاجلة.
القانون ينهار دون أن نرى أى محاولة لإعادة الاحترام وهيبة الدولة المسؤولة عن كفالة سيادة القانون.. سافرت إلى قريتنا فى حالة عزاء منذ يومين، فلم أجد طوال الطريق جنديا واحدا يمثل الدولة لا فى الذهاب ولا فى العودة.. ليلا ونهارا.. لا شرطة، لا مرور، لا دولة والكل يعلم أن الشرطة تعاقب الشعب المصرى على نجاح ثورته وتحاول إجهاض نتائجها وتقود عملية منظمة لإشاعة الفوضى بين بسطاء الناس، ويقدم الضحايا كمتهمين - مثل مينا دانيال - فهو شىء يدعو إلى الجنون، يُهان شيخ الأزهر ولا تتحرك الدولة، تُرفع الشعارات الدينية ويراد احتكارها لتنظيم سياسى بعينه ولا تتحرك الدولة، يضرب أمناء الشرطة بالأسابيع عن العمل بعد أن أوقفت الثورة انتهاكاتهم واعتمادهم على الإتاوات والرشاوى وقهر بسطاء الناس.. ولا تتحرك الدولة.
الدولة لا تتحرك إلا لتسهيل الأجواء لهزيمة الثورة والثوار.. فقد حققت الثورة للحكام ما يريدونه.. أما ما يريده الثوار فقد قرروا الانتظار لثورة أخرى ونحن نعدهم بأنها قادمة لا محالة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة