هو ذات السيناريو يتكرر ثانية، فض اعتصام سلمى لا يقطع طريق، ولا يعطل مصالح بالقوة، أنباء تنتشر عن وقوع إصابات وإهانات لمصابى الثورة وأسر شهدائها، يتدخل الأمن لفض التظاهرات، تشتعل المواجهات، ثم تندحر الشرطة، ويعود الميدان إلى أصحابه.
السيناريو يتكرر، لكنى أعتقد أن النتيجة التى اعتدنا عليها فى التسعة أشهر الماضية لن تتكرر، فالمرابطون فى الميدان، موقنون من أن ثورتهم تضيع، وأن بلدهم تنهب، وأن الفساد الذى استمر ثلاثين عاماً أو يزيد لم يتغير، وإن كانت آلياته فقط هى التى تغيرت، دافعهم الأول هو الحسرة على ثورتهم المجيدة، والمرارة التى فى حلوقهم من خيانة الخائنين، و«القهرة» على ما بذلوه من عرق ودماء.
المرابطون فى الميدان يعرفون أن المرابطين فى المنازل سيستاؤون من تصرفاتهم، لكنهم اليوم محصنون ضد رصاص الإعلام المأجور، الذى يسبح بمجد البيادة العسكرية، ويتعلق بها تعلق الرضيع بثدى أمه، تدثروا بخبرتهم فى التظاهر والاعتصام، وأتوا ملتحفين الجواكت الثقيلة، والكوفيات، والخل والبيبسى المعتاد، فى تطابق حرفى مع أيام الثورة الأولى، وقت أن وقف العالم أمامهم، فخلوه خلفهم.
هنا ميدان التحرير، هنا مصر تتحدث عن نفسها ثانية، هنا الميدان يعود إلى سيرته الأولى، وهنا المرابطون عازمون على «لا رحيل إلا بعد انتخاب مجلس رئاسى مدنى يدير المرحلة الانتقالية»، بعد أن جعلها المجلس العسكرى مرحلة «انتقامية».
لا خسارات متوقعة أكثر مما خسرنا، والمتظاهرون يصرخون ضد الفقر والجوع والخيانة والخسة، والتلاعب بأموال شعب وبتاريخ أمة، هذه المرة تبدوا ملامح الجدية ظاهرة، ولا مجال للالتفاف على الثورة ومبادئها، ولتذهب انتخابات مجلس الشعب إلى الجحيم، ولتذهب أحزاب الخيانة وائتلافات الندامة وشعارات الفرقة، وتحالفات العار، وصفقات الوضاعة، وجماعات الأمر بالتواطؤ والنهى عن الحرية.. إلى حيث لا يدرى الشيطان.
المطلب الأساسى تشكيل مجلس رئاسى مدنى من الشخصيات الوطنية النزيهة، أو فتح باب الانتخابات ما بين قوائم للمجالس الرئاسية لا يزيد عددها على عشر شخصيات، ليتم انتخاب واحدة من بين هذه القوائم لتدير البلاد «على نضيف»، لنتطهر من مبارك وأتباعه وتلاميذه وقوانينه ودساتيره وعقلياته العفنة المستبدة العارية.
«قول متخافشى.. العسكرى لازم يمشى»، هكذا ارتج الميدان بأصوات الغاضبين الذين هتفوا ضد نظام لم يرحل، وضد قانون طوارئ يعمل على أشده، وضد المحاكمات العسكرية المستبدة، وضد تآمر قيادات الإخوان والسلفيين ودعاة الليبرالية، وضد إفساد الرأى العام، واستعمال الإعلام، وضد سطوة رجال الأعمال، وسطوهم على ميزانية الدولة، وضد إفساد قضايا الشهداء، والضغط على أهاليهم بالقوة والرشوة، وضد إفساد محاكمة مبارك، وطمس أدلتها، وضد سوس ينخر فى قلب الوطن، ولا يجد له مطهرا إلا صرخة انطلقت ولا تنوى الرجوع «قول متخافشى العسكرى لازم يمشى».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة