لا يمكن وصف ما يحدث فى ميدان التحرير ضد الشباب الثائر والمعتصمين إلا بالمجزرة الإنسانية البشعة ضد أبرياء وعزل قرروا الاعتصام والتظاهر بشكل سلمى ضد كل ممارسات الحكومة والمجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد، وتنفيذ المطالب والأهداف التى قامت من أجلها ثورة يناير.
العنف المفرط والوحشية التى تعاملت بها قوات الأمن المركزى ضد المتظاهرين أعادتنا إلى أجواء البداية فى 25 و28 يناير، وقبل تنحى الرئيس المخلوع، بل تجاوزتها فى الأسلوب الهمجى فى التعامل مع المتظاهرين والمعتصمين فى الميدان، وفى إطلاق الرصاص وقنابل الدخان المسيلة للدموع والمنتهية الصلاحية أيضا، وحتى الساعات الأولى من صباح أمس أوردت التقارير سقوط 20 شهيدا، وإصابة أكثر من 1700 شخص، وهو ما لم يحدث فى الأيام الأربعة الأولى من يناير.
مجزرة التحرير ليس لها سوى معنى واحد لا ثانى له، وهو أن شيئا لم يتغير على الإطلاق، وأن الثورة التى قامت من أجل حرية المصريين واستعادة كرامتهم وإنسانيتهم المهدرة لم تنجح فى تغيير العقيدة الأمنية، وأن حبيب العادلى ورجاله مازالوا يحكمون ويتحكمون فى مؤسسة الأمن الداخلية، وأن الوزير الحالى ليس سوى قناع كريه لسلفه، ويأتمر بأوامره الصادرة من داخل سجن طرة.
عدد الضحايا، وصور المصابين، ومشاهد الاقتحام الوحشى للميدان، تدلل على أن الشرطة تتعامل مع الثوار بمنطق الثأر من هزيمتها فى 28 يناير، واعتبرت التحرير معركة لاستعادة كرامة «الباشاوات» الذين انسحبوا من الميدان انسحابا مخزيا مهينا، فقرروا الانتقام فى المعركة الأخيرة، تواصلا مع انتقامهم فى إطلاق جيوش البلطجية لترويع الشعب، وإحداث الفوضى، والتخاذل عن الواجب الوطنى الذى يستحقون الحساب والعقاب عليه بالمحاكمة العسكرية.
مجزرة التحرير ليس المسؤول عنها وزير الداخلية وضباطه فقط، إنما المسؤولية الأعظم تقع على من أعطى له الأوامر باستخدام الرصاص، وقتل المتظاهرين، وإشعال الحرائق فى الميدان، ولن تكتفى بيانات الأسف والاعتذار، إنما لا بد من إجراء تحقيق فورى مستقل لمحاسبة المسؤولين عن المجزرة، وتقديمهم للمحاكمة.
الثمن الباهظ من أعداد الضحايا والمصابين يشير إلى أن 25 يناير لم تسقط سوى رموز الحكم، وأبقت على النظام العفن بعقليته الدموية والمتآمرة والمتواطئة مع أعداء الثورة من بقايا الحزب المنحل والتيارات الظلامية من أجل القضاء عليها، وهو ما يعنى أن القادم يعنى ثورة جديدة ومن أول السطر.