ماجرى فى التحرير وميادين مصر خلال الأيام الثلاثة الماضية دليل على فشل السياسة وعجزها، فقد تحول اعتصام فى الميدان إلى حريق ومجزرة لشباب مصر ومصيدة لعيونهم، وأضاع جهودا لشهور طويلة فى «رفى» العلاقة بين الشعب والشرطة، التى إذا كانت تستحق الإدانة قيراطا، فإن المجلس العسكرى والحكومة يستحقان الإدانة 24 قيراطا. السياسة هى التى فشلت وهى التى أعطت الإذن بالضرب، وهى التى انتزعت الأمن من مهمته الرئيسية، ووضعته فى مواجهة مع الشعب مرة أخرى، لتكرر خطأ نظام مبارك الذى يبدو مستمرا بالقصور الذاتى، وفى طريقة التفكير والتصرف.
الحديث عن حكومة إنقاذ يفترض أن يتجاوز الأسماء والوجوه إلى طريقة التفكير، التى تتعامل مع الأزمات بروح رجل الإطفاء والتعتيم والخلط.
حتى لا يتكرر الخطأ السابق الذى جرى مع عصام شرف، وأن تكون هناك صلاحيات واضحة، ومهام محددة، وألا يكون الأمر مجرد أسماء ووجوه، وقد انفتحت بورصة الترشيحات كالعادة، ورشح البعض من يرونه الأصلح من دون أن يقدموا مبررات، ولا نتوقع أن تسارع الشخصيات التى يرشحها البعض بقبول المهمة، لأن البعض يكتفى بالكلام والبعض الآخر يخشى من أن يتحول إلى واجهة بلا صلاحيات، والمهمة صعبة، ولا ننس أن عصام شرف كان مرشحا لكثيرين، لكنه خيب آمال من رشحوه، لأنه أدار حكومة عادية فى وقت استثنائى، وتصرف بشكل بيروقراطى وبطىء، فى وضع كان يحتاج إلى لياقة سياسية عالية، وغرق فى التفاصيل، ولم يحدد أولويات المرحلة وتحولاتها. الحكومة ظلت تعمل فى غرفة «مظلمة» بينما كانت سياسات التعتيم والحجب أحد أهم أسباب الثورة.
وإذا كان المجلس العسكرى يدير ولا يحكم، عليه أن يدرك أن احتكار حق اتخاذ القرار، يحمله مسؤولية الأخطاء، وعليه أن يستعين بأهل الخبرة.
غياب السياسة عن المجلس العسكرى والحكومة جعل من الصعب عليهما التعامل مع وضع صعب واستثنائى، وأدى إلى تداعيات. مطلوب إدارة تضمن استقرار الفترة الانتقالية.
الملف الأمنى هو أخطر الملفات، ونحن على أبواب انتخابات، وسط حالة انفلات واعتداء على الدولة والقانون، تبقى الشرطة عاجزة عن مواجهتها، الأمن هنا هو أمن المواطن والمجتمع والممتلكات وليس الأمن السياسى، هناك أيضا إجراءات عاجلة لمواجهة الفقر وإغاثة الفقراء الذين تزايدت معاناتهم، والأزمات التى تتكرر كالوقود والغاز والأسواق والأسعار، وهناك الصحة والمستشفيات التى ماتزال تعانى من إهمال.
الإنقاذ يحتاج إلى شخصيات تمتلك القدرة على المبادرة، أكثر من قدرتهم على المناورة، وحكومة تكون لديها الصلاحيات لتشكيل لجان تدخل سريع ومجموعات عمل تتعامل مع الشرارات الأولى، ولا تكتفى بدور رجل المطافئ، الذى يأتى متأخرا ويطفئ الحريق ويرحل.
المجلس العسكرى هو المسؤول الأول، وطريقة إدارته تحتاج إلى إنقاذ، من أعراض نظام مبارك، الذى هو طريقة تفكير وليس فقط وجوها وأسماء.