ليس أمامك إلا طريق من اثنين بعد اختيار الدكتور الموقر كمال الجنزورى رئيساً للحكومة أن تحسن الظن بالمجلس العسكرى أو أن تسىء به الظن، لا مجال لخيار ثالث إلا على طريقة المتظاهرين فى رمسيس لأنهم ليسوا مع التحرير أو العباسية.
لو سيادتك أحسنت الظن بالمجلس العسكرى، أنت إذن تفكر "على قديمة"، عندما كان الناس يتصورون أن الدولة المصرية فى عهد المخلوع متماسكة وقوية، وأن مبارك لديه من الكروت ما يمكن أن يخرجه فى الوقت القاتل ليقلب المعادلة ويسترضى الشعب العاطفى ويحقن الدماء و يعيد الناس إلى منازلهم راضين
سيادتك تظن أن المجلس العسكرى يناور مثلا بورقة الجنزورى، وهو يعلم أنها ستثير عاصفة لا حدود لها من الرفض والسخرية والاستهتار بقدرته على التحرك والتجاوب مع الشارع، وعندما يبلغ الرفض مداه ويجمع ميدان التحرير على شخص بعينه مثل البرادعى مثلا ويعتبره اختياره الشعبى فى مواجهة المجلس العسكرى، يسحب المجلس الجنزورى ويعطى الغاضبين الصغار فى الميدان مطلبهم الوحيد، وبذلك يبدو كمن نزل على رغبة الثوار فيما احتفظ لنفسه بالسلطة وأرخى شعرة معاوية المشدودة بينه وبين الثائرين.
اسمح لى سيادتك هذا الكلام لا وجود له سوى فى ذهنك أنت الذى يجلس متوتراً محبطاً من البطء فى اتخاذ القرار، وتتمنى أن يأخذ المسئولون عينيك ليروا بهما تماما كما لو كنت تجلس أمام التلفزيون تعيد تنفيذ ركلة الجزاء الضائعة من فريقك المفضل.
أما إذا اخترت سيادتك أن تسىء الظن بالمجلس العسكرى، ليس أمامك إلا أن تدلف مباشرة إلى ميدان تويتر، وهناك تهتف كما يحلو لك حول انعدام رؤيته، وسيره على خطى مبارك ومعه قصاص أثر، دون أن يتعلم شيئا من عناد المخلوع الذى كان يفخر دائما "أنا عندى دكتوراه فى العند"، قبل أن يواجهه التحرير بالحقيقة المرة: "على نفسك يا حاج"، وأن تأسف فقط على الأيام السوداء المتبقية حتى يرحل المجلس بعد أن أضاع الفرصة تلو الأخرى لعلاج الأزمة التى أوجدها وتركها بغرابة شديدة تنمو من موقف عادى إلى كارثة يصعب على أى قوة احتواؤها بقرار أو بالعقل، ودون أن يقنعنا بامتلاكه قدرة السحرة على الإتيان بالخوارق.
سيادتك تظن عندئذ أن المجلس فقد القدرة على لم الموقف لانعدام بصيرته ولوقوعه فى أخطاء كارثية، وأن من يسمح للداخلية بمواجهة مائتين متظاهر بالرصاص والغازات حتى يتحولوا إلى مليون غاضب يحاصرونه ويتحكمون بمصيره، لا يستطيع ولا يليق بدولة مثل مصر أن تبقى عليه، وأن الأمر لن يستغرق سوى ساعات أو أيام وسيجمع الجنزورى والجنرالات أمتعتهم ويغادرون إلى المجهول، وربنا يلطف ساعتها ولا يتكرر مصير رموز نظام مبارك تحت ضغط المطالب الشعبية.
هل تحسن سيادتك الظن بالمجلس العسكرى أم تسيئه، أم تتظاهر فى رمسيس احتجاجا على الزحام والتراب والذباب، وتمتنع عن تناول العشاء؟
الأمر يرجع لك
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة