الاقتصاد المصرى هو من يدفع ثمن عدم الاستقرار والارتباك السياسى وأحداث العنف والفتنة والانفلات الأمنى فى التسعة شهور الماضية، ولا أحد ينتبه إلى الكارثة التى تدق بعنف على أبواب مصر خلال الشهور القليلة المقبلة، إذا استمرت حالة الفوضى السياسية وعدم الخروج سريعا من نفق الأزمة الحالية.
فالوضع الاقتصادى الضعيف لن يتحمل مزيدا من الانهيار والنزيف الذى لم يتوقف منذ مارس الماضى، والخوف من أن تتعرض مصر لإعلان إفلاسها، لعدم القدرة على توفير الموارد اللازمة داخليا وخارجيا، لسد الاحتياجات من السلع الأساسية مع توقف عجلة الإنتاج على وقع الاحتجاجات والإضرابات العمالية والفئوية التى لم تتوقف والتى عجزت حكومة شرف عن إيجاد حلول حقيقية لها وتباطأت فى تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور بحجة العجز فى توفير الموارد المالية ومع ذلك اضطرت فى النهاية إلى تنفيذ المطالب الجزئية لغالبية هذه الاحتجاجات.
وإذا كانت مليونية الأمس فى التحرير قد رفعت شعار «الفرصة الأخيرة» لحسم الشكل السياسى لإدارة المرحلة الانتقالية خلال الشهور القليلة المقبلة، فإنها فرصة أخيرة بالفعل أيضا لإنقاذ الوضع الاقتصادى الذى يوشك أن يقف على حافة الانهيار، لأن المخرج الوحيد للإنقاذ هو التوافق الوطنى العام على المسار السياسى لإدارة شؤون مصر حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفرض حالة من الاستقرار يستطيع الاقتصاد حصد ثمارها سريعا.
بعض الأرقام الحالية عن واقع نزيف خسائر الاقتصاد المصرى مخيفة ومفزعة وتدعونا إلى الانتباه واليقظة والخوف أيضا، فمرحلة الخطر لاحتياطى النقد الأجنبى على وشك الاقتراب، إذا استمر التراجع على حاله خلال الشهور الماضية والذى وصل إلى 22 مليار دولار ولم يتبق على مرحلة الخطر ، وفقا للتنصيف الدولى، سوى 10 مليارات فقط كافية، لتغطية أقل من 3 شهور من الواردات السلعية. إجمالى الديون المحلية والخارجية وصل إلى أعلى معدل له ويسجل الآن تريليون و254 مليار جنيه، والبورصة تراجعت بشكل كبير، والعجز فى الموازنة العامة للدولة يقدر بحوالى 134 مليار جنيه، والاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت بشكل حاد حتى وصلت الآن إلى 2،2 مليار دولار فقط، وكل ذلك انعكس على ارتفاع معدل البطالة الذى بلغ نحو 12%. والسياحة انخفضت عوائدها إلى أدنى مستوى لها, اقتصادنا يئن ويستغيث لوقف النزيف والتدهور الحاصل، والفرصة الأخيرة لو فاتت لا نعرف أى مجهول نتجه إليه.