بصرف النظر عن عوامل السن والجيولوجيا والأركيولوجيا، كان اختيار الدكتور كمال الجنزورى لرئاسة الحكومة مفاجئا، يكشف عن ضيق مساحة الاختيار التى يضعها المجلس العسكرى، حيث يحصر اختياراته فى أسماء كانت فاعلة فى النظام السابق، دون محاولة لمعرفة أسباب فشل حكومة عصام شرف، لتحديد المطلوب من حكومة جديدة.. اختيارات المجلس لا تمتد لأجيال جديدة أو شخصيات يمكنها أن تقدم مبادرات وأفكارا خارج المتاح وتبدأ فى تغيير لشكل النظام والسلطة، وحرص على الانتقاء مما هو متاح.
ويروجون إلى أن كل من تم طرح المنصب عليهم رفضوا خوفا من تحمل المسؤولية، لكن هل يمكن أن يكون الجنزورى هو الاختيار الأفضل لرئيس حكومة إنقاذ؟
رئيس وزراء فى العقد الثامن بينما نصف الشعب تحت الخامسة والعشرين وربعه أقل من 40 عاما، والأمر ليس بالسن، ولكن بثقافة جيل نما فى ظل الدولة الشمولية، فى مرحلة تراجعها، وينتمى لطريقة تفكير المجلس العسكرى، لم يعرف عنه أنه كان متمردا على نظام مبارك، وشغل فيه مناصب وزارية من الثمانينيات حتى خروجه من رئاسة الوزراء عام 1999، ومنذ بداية السبعينيات وهو فى معهد التخطيط القومى، عاصر السادات ومبارك، ونشأ وترعرع فى نظام الفرد والتزم طوال الوقت بهذا النظام.
فى فترة توليه رئاسة الوزراء كان فرديا يحرص على التكتم والتعتيم. أدخل مصر فى مشروعات عملاقة مثل توشكى وشرق التفريعة، لم تقدم عائدا ولم تغير ثقافة، وساهمت فى تآكل الاحتياطى النقدى، كان يطرح فكرة المشروع القومى ويندمج فى برنامج الخصخصة الذى ساهم فى تفكيك بنيان اقتصادى وصناعى بدون بديل.
وعندما تم الاستغناء عن الدكتور كمال الجنزورى فضل الصمت، تبنى البعض إيحاءات بأن الجنزورى خرج بسبب تمرده على مبارك، لكنه تحدث بعد ثورة يناير ولم يقل إنه كان متمردا أو مستقلا أو صاحب طرح متناقض مع مبارك ونظامه، تحدث بعد صمت طويل أجبر عليه، عن الفساد الذى أصبح كالماء والهواء، لكنه لم يكتشف آليات هذا الفساد أو إمكانية مواجهته.
الحجة أن الجنزورى يعرف كيف كان دولاب العمل فى الدولة، لكنه لم يكن أحد الذين رفضوا نظام مبارك وتمردوا عليه، لم يقدم أى حل أو اقتراح لمواجهة المشكلات المزمنة مثل الفقر وتردى أحوال الصحة والتعليم والبطالة، وكان يضيق بالنقد ولم يعرف عنه دعمه لحريات التعبير، بينما الوضع الحالى يحتاج لرجل يمكنه تفهم وجهة نظر المواطنين والتعامل معها، ومن الصعب توقع أن يكون لدى الرجل فجأة ما افتقده طوال سنوات، هل يمكن الاطمئنان إلى أن الجنزورى الاختيار الأمثل الذى يجب أن يحصل على فرصة ضمن حكومة إنقاذ، من الذى يراهن على الرجل ومن يراهن به.