وصلنا إلى نقطة التقاطع بين تفويض المجلس العسكرى الدكتور كمال الجنزورى رئيسا للحكومة وبين مطالب ميدان التحرير برفض الجنزورى وتشكيل حكومة إنقاذ أو مجلس رئاسى تضم شخصيات يتم التوافق عليها من بين البرادعى، وحسام عيسى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحى، وأبوالعلا ماضى، ومحمد غنيم، وعبدالجليل مصطفى، لإدارة المرحلة الانتقالية الباقية حتى الانتخابات الرئاسية وتخلى المجلس عن سلطاته وعودته للثكنات.
الشارع الآن منقسم وممزق، فالنوايا خالصة والهدف واحد، ولكن وسائل وأدوات التعبير عنها مختلفة، والاستمرار فى المشهد الحالى قد يقودنا إلى عواقب غير صحية وغير سليمة، ولن تصب فى مصلحة أى طرف فى وقت تجرى فيه انتخابات برلمانية من المفترض أن ينتج عنها أول برلمان حقيقى يعبر عن الفعل الثورى فى الشارع المصرى، ويتولى سلطة التشريع بدلا من المجلس العسكرى، أى أنه بعد أقل من شهر من الآن سوف تؤسس السلطة الأولى فى البناء السياسى الجديد، وهى مؤسسة التشريع.
التقاطع الحاصل بين التفويض والمطالب يستدعى الاتفاق بالحوار على نقطة التقاء لعبور أزمة الشهور السبعة المتبقية من عمر المرحلة الانتقالية، والجلوس إلى طاولة التفاوض والاستماع إلى جميع الأطراف دون إقصاء طرف أو آخر، والاستجابة لما فيه المصلحة العامة لإنقاذ البلاد شر الانقسام والتفتت ما بين «تحرير» و«عباسية».
هناك من يرفض حكومة الجنزورى، وهناك من يوافق عليها بشروط، والمسألة هنا ليس الاعتراض على شخص الدكتور الجنزورى نفسه، وإنما فى الصلاحيات «الكاملة» الممنوحة له وحدود هذه الصلاحيات التى لم يكشف عنها رئيس الحكومة المكلف ولم يصاحبها إعلان من المجلس العسكرى بالتنازل عن بعض المواد الورادة فى الإعلان الدستورى خاصة المادتين 56 و57 بشأن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأظن أنه لو فعل ذلك فسيهدئ كثيرا من حالة الغضب السائدة الآن، وينأى بنفسه كثيرا عن تشابكات وتعقيدات المشهد السياسى.
قد لا يعيب الدكتور الجنزورى أنه رجل من الماضى، فقد فعلتها تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن على وجاءت برجل يعتبر وفق التعبير الشعبى المصرى الحديث «أبوالفلول» وهو محمد فؤاد المبزع - 79 عاما أيضا - ليشغل منصب رئيس الجمهورية المؤقت، وهو الذى شغل منصب رئيس مجلس النواب التونسى طوال فترة 14 عاما من حكم الرئيس الهارب، وقبلها كان وزيرا للشباب والرياضة، ومع ذلك ارتضى التونسيون به لحين إجراء انتخابات رئاسية وفقا للمسار السياسى المتوافق عليه.
الفارق فى النموذج التونسى أن الجيش نأى بنفسه مبكرا عن الصراعات السياسية..!