كتبت كثيرًا، وفى هذا المكان، عن أخطاء المجلس العسكرى وانفراده بالحكم بدون خبرة أو رؤية، وفى الموجة الجديدة لثورتنا خسر المجلس شرعيته، وطالب الثوار فى التحرير وميادين مصر برحيله، كما خسرت غالبية الأحزاب والنخبة السياسية شرعيتها.
لكن الإشكالية أن كل الطرق والأفكار المطروحة فى خطاب الثوار تقود حتى الآن إلى نتيجة كارثية واحدة.. هى استمرار جنرالات الجيش وشيوخ الأحزاب والفلول.
الموجة الثورية الجديدة تعانى كالموجة الأولى فى 25 يناير من غياب التنظيم والقيادة الموحدة والبرنامج الشامل للتغير. فالثوار الذين عادوا إلى الميدان، لكنهم ظلوا محاصرين بمكر وانتهازية الأحزاب والإخوان، وبإعلام معادٍ ومتآمر، وبمجلس عسكرى مراوغ يربط بين فشله والفوضى - أسلوب مبارك - ويصور أن نقد سياساته يعنى الهجوم على جيشنا الوطنى العظيم.
حصار ثوار التحرير ومشاكلهم الداخلية انعكس على مطالبهم، فجاءت إصلاحية ومتناقضة ومحبوسة داخل نطاق المسار الفاشل للمرحلة الانتقالية. فالثوار يطالبون بحكومة إنقاذ وطنى لها كل الصلاحيات التنفيذية، وتأجيل الانتخابات لأسبوعين. ويقوم البرلمان بغرفتيه بكتابة الدستور والاستفتاء عليه ثم انتخاب الرئيس قبل الأول من يوليو القادم. ويطالب الثوار أيضًا بتشكيل مجلس رئاسى، وأحيانًا بتشكيل مجلس مدنى يشارك المجلس العسكرى سلطاته.
المطالب الثورية السابقة وغيرها لم تكسر صندوق الأفكار القديمة أو تحاول تغيير المسار الفاشل للمرحلة الانتقالية، بل على العكس حافظت عليه، فقد أكد بعض الثوار أنهم سيشاركون فى الانتخابات ويعودون للاعتصام فى التحرير. ما يعنى تناقضًا فى الأفكار والممارسات،فالاعتصام أو النسخة الجديدة من ثورتنا لابد أن تحدث قطيعة مع المسار الفاشل للمجلس العسكرى منذ رحيل مبارك، وتتبنى مسارًا بديلاً، أكثر طموحًا وراديكالية. ولا يعنى ذلك الانقلاب على نتائج استفتاء مارس الماضى، أو الخوف من الانتخابات أو رفضها وإنما تعديل شروطها، فالانتخابات ليست غاية فى حد ذاتها، وإنما وسيلة لتمثيل الشعب فى ظل مناخ سياسى وقانونى يضمن للجميع فرصًا متساوية للترشح والتنافس. وهو مناخ لم يتوافر فى ظل الحضور القوى للفلول، والسماح للمال الانتخابى بالعمل فى حرية كاملة، ومن دون رقيب أو رادع على الإنفاق على الحملات الانتخابية. وبالتالى فإن إجراء الانتخابات فى ظل هذه الظروف إضافة لعدم الاستقرار الأمنى ستأتى بأغلبية من الإخوان والفلول والأحزاب التقليدية الانتهازية.
المطلوب سرعة تشكيل حكومة باسم الثورة، ومجلس رئاسى، ومن ثم نقضى على فزاعة انفراد العسكر بالحكم. وبالتالى يمكن تأجيل الانتخابات لشهر كامل تتم فيه جلسات حوار مع كل الأطراف - خاصة شباب الثورة - وإصدار قانون يحرم أعضاء قيادات ونواب الحزب الوطنى من حقوقهم السياسية لعشر سنوات، فلم يعرف التاريخ ثورة بدون إجراءات استثنائية. ولابد من إلغاء قانون الطوارئ ومحاسبة المسؤولين عن مذبحة محمد محمود، وتطهير الداخلية والإعلام الرسمى وإلغاء وزارة الإعلام، واستئناف محاكمة الرئيس والضباط المتهمين بقتل المتظاهرين.
هذه الإجراءات ضرورية، وفى مصلحة الوطن وكل القوى السياسية، فستعيد الثقة بين الجميع وتهدئ من مشاعر الصدمة لدى المصريين من وحشية قمع المعتصمين، وتحقق الاستقرار اللازم لزيادة مشاركة الناخبين. ولا يجب أن نخاف من احتجاج الإخوان وبعض الأحزاب من خطوة تأجيل الانتخابات، فهو تأجيل مؤقت وليس إلغاء، والهدف منه تصحيح المسار الخاطئ للانتخابات.
وأخيرًا لا يجب أن نجرى وراء تاريخ محدد لتسليم السلطة لرئيس منتخب، فهى لعبة وهمية لم يحترمها المجلس العسكرى عندما وعد بتسليم السلطة بعد ستة أشهر، ولم يفعل.. ولم يحتج الإخوان أو يتحركوا. ولن تخسر الثورة كثيرًا إذا تأخرنا عن موعد تسليم السلطة شهرًا إضافيّا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة