مشهد الساعات الأولى لليوم الأول فى انتخابات المرحلة الأولى فى محافظات القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وأسيوط والأقصر والبحر الأحمر ودمياط وكفر الشيخ والفيوم، يبعث على الأمل والتفاؤل فى أن الشعب المصرى والغالبية الصامتة فيه على قدر المسؤولية، والتحدى، والإصرار على رسم مستقبله، وتحديد مصيره بيده، وجنى أولى ثمار ثورته نحو التحول الديمقراطى لدولة الحقوق والحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية التى قامت من أجلها الثورة.
الملايين التى تدفقت أمس إلى لجان الانتخابات فى كل محافظات مصر التسع، أعلنت العصيان والتمرد على الصمت والإحباط، وأنهت حالة المقاومة السلبية لكل أشكال الفساد، وتزوير الإرادة فى انتخابات عصر «المخلوع»، فأمس واليوم وكل أيام الانتخابات المقبلة، هى أيام الشعب الذى قرر أن يمتلك زمام قيادة مصر إلى بر الأمان، فالقرار له وحده الآن، وليس فى يد زمرة الفساد والإفساد القابعة فى غياهب سجن طرة، وعليه أن يثبت أنه شعب ناضج، وواع ويستحق الحرية والديمقراطية فى ممارسة حقه القانونى والدستورى فى تقرير مصيره نحو التحول الديمقراطى بنفسه.
أمام كل اللجان الانتخابية شاهدت البسمة على الوجوه، والفرحة فى العيون فى يوم الشعب الذى خرج لانتخاب برلمان الثورة، وخياره الوحيد هو الحفاظ على كل المكتسبات الوطنية للدولة المدنية المصرية، التى أنجزتها طوال تاريخها الوطنى منذ منتصف القرن التاسع عشر، الدولة التى تتسع للجميع وتقوم على مبادئ المساواة وعدم التمييز أو التفرقة على أساس الدين أو العرق أو الانتماء المذهبى والطائفى، والأساس فيها للمواطنة، فمصر بتاريخها وتراثها الحضارى والإنسانى دائما عصية على الانقياد لتيار أو جماعة أو أفكار، تريد أن تدفع بها للوراء، وتعوق مسيرتها نحو التقدم وبناء الدولة المدنية الحديثة.
أبناء الصمت فى الشعب المصرى الذين أطلقنا عليهم «حزب الكنبة»، خيبوا كل الظنون أمس.. ولبوا نداء مصر فى يوم عيدها الحقيقى، نحو التحول الديمقراطى، وتحدوا كل محاولات التخويف والترهيب لعدم الذهاب للانتخابات والتصويت، وأثبتوا أنه فى لحظة الخطر التى تحيط بالوطن، يهب كل أبنائه لنجدته وإنقاذه، مهما كلفهم ذلك من تضحيات أو مجهود. فكل محاولات التخويف من حالة الانفلات الأمنى، وإمكانية حدوث أعمال عنف وشغب وبلطجة لم تفلح حتى الساعات المتأخرة من اليوم الأول لانتخابات أمس فى المحافظات التسع، ومرت عملية التصويت بهدوء ونظام، رغم بعض أخطاء البداية فى عدم التنظيم والتأخير فى فتح بعض اللجان.
الملايين التى خرجت فى الساعات الأولى، وربما لأول مرة، اعتبرت أن الانتخابات هى «طوق النجاة» للخروج من المأزق السياسى والاقتصادى الحالى، وأن الثورة المصرية فى طريق تحقيق الإنجاز الأول فى مسيرة الديمقراطية بانتخاب أول برلمان لها.
وإذا كان الشعب قد كسب التحدى الأول بالخروج والنزول إلى صناديق الانتخابات، فإن التحدى الآخر هو التعبير بحرية، وباختيار سليم للمرشحين والقوائم الانتخابية القادرة على العبور بمصر من الأزمة، والسير بها فى مسار الدولة الحديثة بعيدا عن الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والقبلية، فالشعب لم يتخلص من استبداد وفساد سياسى، لكى يسقط فى قبضة فساد آخر، ولم يسقط وينهى سطوة حزب فاسد، ليأتى بحزب أو جماعة بديلة بشعارات سلطوية أخرى.
أعتقد أن الشعب المصرى فى نهاية الانتخابات، سيعطى درسا لكل من تصور أنه «سيد الانتخابات» على قدرته وإصراره على الاختيار الصحيح والسليم، وأن انتخابات ما بعد ثورة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، قادرة على الفرز بين الغث والسمين، وأنها غير قابلة للخداع والغش السياسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة