فاطمة ناعوت

مدرسة حبيب العادلى

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011 05:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«وأسألُ السيد وزير الداخلية: هل يدرسُ طلابُ الشرطة فى كلياتهم مادةً تُطلعهم على سقف حريتهم فى التعامل مع المواطنين؟ هل أطلعهم أساتذتُهم على حقوق المرأة والطفل والإنسان فى شريعة حمورابى قبل الميلاد بألفى سنة، أو حقوق المواطن أمام السلطة فى «ماجنا كارتا» القرون الوسطى، أو ميثاق حقوق الإنسان الحالى، المُفعّل فى كل دول العالم المتحضر إلا مصر؟».

«الرجلُ الذى ارتكب هذا الثالوث الإجرامىّ المركّب: ترويع طفل، قتل امرأة، إسقاط حمل؛ ليس أحدَ اللصوص. ولا هو سفاحٌ من عُتاة المجرمين. بل، للمفارقة المُرّة، هو المسؤول، بحكم الوظيفة والقَسَم (إن كان ثمة قَسَمٌ يتلوه هؤلاء عند التكليف)، عن أمن وأمان تلك المرأة وهذا الطفل وذلك الجنين، وكذا أمن وأمان كلِّ من شهد هذه المهزلة الوجودية الكبرى!».
«هو ضابطُ شرطة برتبة نقيب! وأما الأداة الثقيلة التى ضرب بكعبها رأسَ المرأة، فبندقيةٌ صُنعت لكى تُشهر لترهيب مجرم أو إنقاذ ضحية، لا ليُضربَ بها المواطنون والأطفال!».

هذه المقتطفات من مقال قديم لى بـ «اليوم السابع»، بتاريخ 21 - 10 - 2008. أما «وزير الداخلية» المذكور فهو طبعًا «حبيب العادلى»، وأما زمن المقال فهو عهد ما قبل الثورة، بكل ويلات نظامه الشمولىّ، وأما عنوان المقال فهو: «شىءٌ من الحبّ والعدل يا حبيب العادلى». وأما سبب المقال فهو قيام ضابط بضرب طفل وأمّه ضربًا مبرحًا حتى أعجز الطفلَ، وأجهضَ حملَ الأم بعدما ركلها بقدمه فتحدرجت على الدَّرَج غارقةً فى دمائها، لكى يجبرها وصغيرها، وربما الجنين الموؤود، على الإدلاء بمعلومات لا يعرفونها حول متهم هارب، هو عمّ الطفل! أين؟ على عتبة باب المرأة! متى؟ فى عهد مبارك. فهل من المنطقى أن يُقال الكلامُ ذاته بعد ثورة يناير؟ نعم منطقىّ. كيف؟ وإذن ما جدوى ثورة قامت بالأساس على جهاز الداخلية يوم عيدها: «25 يناير»؟! لأن الثورة أسقطت الرأس، وأبقت على الجسد المعطوب. مدرسة حبيب العادلى مازالت تسرى فى عروق جنوده سريانَ الدم! الفكرُ واحد، والمنهج والآلية. المواطنُ المصرىُّ رخيصٌ لدى الداخلية. لهذا يتجاسر اليومَ «ملازم أول» ويتصيّد بالرصاص عيونَ الثوار! يقول: «جات فى عين الواد»، فيهتف آخر، قد يكون قائده: «جدع يا باشا».. كود «الاستعلاء» على الشعب هو هو، لم يتغير! أضفْ إليه كود «الانتقام»، الذى تولّد بعد ثورة صدّعت جهاز الداخلية فكشفت عن عواره.. حتى وسم البعضُ الفترةَ التى نحياها بـالمرحلة «الانتقامية» بدلاً من: «الانتقالية». تدهسُ سيارةُ الشرطة شابّا اسمه «أحمد سرور»، ذهابًا وإيابًا حتى تتهتّك أحشاؤه، ثم يخرج علينا وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى ليعتذر لأسرة المغدور! ونسى أن يعتذر لمصرَ وللمصريين وللسماء! كأنما هو اعتذارُ مواطن داس بالخطأ قدمَ مواطن آخر فى عربة قطار مزدحمة! وطبعًا لن نُمنّى النفسَ باعتذار مماثل من المشير طنطاوى! فمثله لا يعرفُ الاعتذار وإلا لكان اعتذر عن مذبحة ماسبيرو التى قتل فيها 25 مصريّا أعزل، بدلَ أن يؤلِّب الرأى العام على الشهداء القتلى، ويبرئ القتلة «المساكين» الذين سُرقت مدرّعاتهم وأسلحتهم فخرجوا يصرخون للشعب أن ينقذهم من متظاهرين عُزّل حاملى شموع، وحَزَن!

فى مقالى القديم كان الملوم هو الرئيس السابق مبارك، لأنه ولّى أمنَ البلاد لرجل فاشىّ لا قلبَ له، درّب أبناءه على ترويع المواطن. فمن تُرانا نلومُ اليومَ سوى المجلس العسكرىّ الذى سمح لرجاله بدهس مواطنين عُزّل بالمدرعات، ومرّ الأمرُ!! فسجّل بذلك رسالة تقول للداخلية: «المواطن المصرى مالوش دِيّة»، افعلوا به ما شئتم!

شاهدتُ بنفسى ذلك «الغلّ فى العيون»، الذى يحمله رجالُ الأمن لنا، نحن المواطنين الذين ندفع لهم رواتبهم لكى يهدروا آدميتنا بالعصىّ والغاز القاتل والتحرش الجنسى للنساء! ثم يلقون جثاميننا فى القمامة! وهاهى تخبرنا جريدة «الشروق» عن ضابط أمن مركزى انتحل صفةَ طبيبٍ، وراح يحقن المصابين أمام مجلس الوزراء «بالهواء» ليموتوا من فورهم! منذ ثورة يناير، التى قامت فى أساسها على «مدرسة حبيب العادلى» الفاشية، ونحن نسعى لترميم جسر الثقة الذى تهدّم بيننا وبين الداخلية منذ عقود. وكان عليهم، رجال الداخلية، العبءُ الأكبر فى بناء الجسر المهشّم واستعادة ثقتنا، لأنهم هم من أهرقوها بغلظتهم وانعدام الكود الأخلاقى والإنسانى لديهم.. لكن، من أسف، حالَ انخفاضُ الذكاء دون ذلك. ولا عجب. فثمة تلازمية بين الشرَّ والغباء. فالخيرُ ذكاءٌ، والمحبةُ واحترامُ الآخر ذكاءٌ، والإيثارُ والإنسانيةُ والرُّقىّ والجمالُ والفضيلةُ ذكاءٌ.. وعكس كل ما سبق من غلظة وإقصاءٍ واستعلاء وكراهية وأثَرة وتجبُّر، جميعُها غباءٌ وجهلٌ وبدائية.

وأما الأحجيةُ التى تدور الآن على صفحات Face Book، فتقول: «فيه واحدة ست عندها 3 أولاد: واحد ضابط شرطة، والتانى فى الخدمة العسكرية، والثالت خريج جامعة. الست دى أولادها الثلاثة فى التحرير وهى خايفه يموّتوا بعض» هل عرفتم مَن هى تلك السيدة؟ نعم. أصبتَ. تمامًا كما خمّنت. إنها مصر. فلكِ اللهُ يا مصرُ!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة