أصبحنا نخرج من مؤتمر نقع فى جلسة، ننجو من قعدة لندخل فى برنامج، ضمن حالة من التناقض والتداخل غير المفهوم، والسبب أن كل تيار فى الحكومة أو المجلس أو فى الأحزاب يتحرك وحده، ويتصور أنه فقط صاحب الحق فى الحديث باسم الشعب، وتحديد الصواب والخطأ، وكلما بدا أن الأحوال سوف تستقر، وبدلا من أن يجلسوا ليتوافقوا أو يتفقوا على أهداف المرحلة، فإذا بهم يستعذبون الخلاف، ويفضلون الصراع، والنتيجة مزيد من الحيرة والقلق والتشاؤم.
نقول هذا بمناسبة مؤتمر الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء المعروف باسم
«الاسترشادى»، والذى جدد الصدام السياسى بين التيارات وأحيا قيم «خلف خلاف»، الدكتور على السلمى دعا الأحزاب والتيارات للجلوس ووضع تصورات للمبادئ الحاكمة للدستور، وطريقة اختيار لجنة وضع الدستور. بعد الدعوة أعلن الإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيون مقاطعتهم للمؤتمر، وقالوا إنه التفاف على الإعلان الدستورى، الذى يقول إن البرلمان المنتخب هو الذى يختار لجنة وضع الدستور. ورد مؤيدو مؤتمر السلمى بـ«أنهم لايضعون مبادئ دستورية وإنما مبادئ استرشادية».
وهو أمر يبدو غير مفهوم، لأن المبادئ كونها استرشادية يعنى أنها غير ملزمة ولا يمكن فرضها على لجنة وضع الدستور. فلماذا «وجع الدماغ» وما الذى يدفع الحكومة لعقد مؤتمر المبادئ الدستورية الآن، ولماذا تأخروا كل هذه الشهور ليبدأوا مناقشة وثيقة يقولون إنها استرشادية. وهى الأفكار نفسها التى سبق وناقشها مؤتمر الوفاق الوطنى، وانتهى فيها إلى توصيات «استرشادية».
وإذا كانت لدى المجلس العسكرى أو الحكومة رغبة لوضع المبادئ التى تحكم الدستور، فلماذا لم يفكروا فى طرح هذا الأمر قبل الاستفتاء. حيث كان من الممكن الدعوة لمؤتمر تشارك فيه كل القوى لتحدد الأولويات والخطوات الواضحة لنقل السلطة، بدلا من حالة الضبابية والتوهان التى وضعوا المجتمع فيها؟ ونذكرهم بأن كثيرا من عقلاء هذا البلد طالبوا بأن يتم انتخاب هيئة تأسيسية ووضع دستور أولا يحدد قواعد اللعب وطريقته ويحقق تكافؤ الفرص. لكن المجلس العسكرى تجاهل هذا وبدأ بالانتخابات. ولا يجوز العودة عن هذا الآن. فضلا عن وضع مبادئ فى الوثيقة عن موقع القوات المسلحة أو سلطاتها، لايفترض أن تناقش الآن، وإنما بعد استقرار الأوضاع سياسيا، فضلا عن أن المجلس العسكرى جمع الأحزاب واتفق معهم على بيان مشابه.
هذا عن الموقف المثير للحكومة، وعلى الجانب الآخر رأينا موقف الإسلاميين من إخوان وجماعة إسلامية وسلفيين وقد أعلنوا الحرب على المؤتمر وتعاملوا معه على أنه التفاف ومحاولة لصياغة دستور يفرضوه على المجتمع، وهو رد فعل يتجاهل كونه «مؤتمرا استرشاديا». لايستحق كل هذا الضجيج والتصعيد.
الحادث أن الجدل قائم، والناس تزداد حيرة، بين ضبابية رسمية وسخونة حزبية. ويعجز الجميع عن تقديم رؤية تخلو من الانتهازية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة