عاش جمعة الشوان بطلا، ومات وحيدا حزينا مظلوما فى مواجهة الموت، مثلما عاش عبدالعاطى، صائد الدبابات، ومات وحيدا مجهولا بعد أن تركوه للمرض اللعين يفترس جسمه الطاهر.
مات البطل مثل باقى الأبطال، كالأشجار الباسقة المثمرة، تموت واقفة فى كبرياء وصمت، «الاسم مشطوب والتاريخ باهت والاسم كان لازم فى سكة الخيانة يتردم».. كما كتب شاعرنا المبدع عبدالرحمن الأبنودى فى قصيدته الرائعة فى وفاة محمد عبدالعاطى، أحد أبطال أكتوبر، والذى مات بمرض الكبد عام 2001.
أحمد محمد عبدالرحمن الهوان الذى عرفه المصريون باسم «جمعة الشوان» فى مسلسل الجاسوسية الشهير «دموع فى عيون وقحة» فى بداية الثمانينات، كان باستطاعته أن يصبح مليونيرًا عندما أعطاه «الموساد» الإسرائيلى حقيبة بها أكثر من 185 ألف دولار فى عام 1967، لكنه رفض قبولها وذهب إلى الرئيس جمال عبدالناصر، الذى أثنى على وطنيته، ووعده بمنحه وسام الجمهورية بنفسه، لكن عبدالناصر توفى قبل إتمام الشوان مهمته فى تل أبيب.
مات الهوان أحد أشهر العمليات الاستخبارية المصرية داخل إسرائيل، بعد أن عانى من مرض فى القلب، وكان لا يملك ثمن إجراء عملية جراحية، وكان يحتاج لشقة سكنية جديدة، ونزلت دموعه وهو يستجدى العلاج والمعاش فى زمن البيع والخيانة، حتى استجاب المشير طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، منذ أشهر قليلة، وقرر علاجه على نفقة القوات المسلحة.
قبل رحيله قال الشوان بنبرة امتزجت فيها معانى الحزن والآسى الدفين بسبب الإهمال: «أنا بلوم الموساد الإسرائيلى لأنه سايبنى لغاية دلوقت من غير ما يصفينى لأنى خنتهم، وحصلت لمصر على أغلى أجهزة تجسس، ورفضت أبيع بلدى.. كنت عايزهم يقتلونى ويريحونى بدال ما أنا قاعد أستلف من الناس وأبيع شقتى عشان أسدد ديونى وأجيب علاج.. يعنى لو كان ربنا خلقنى رقاصة ولا لاعب كورة ولا مطرب كان الكل جرى عشان يعالجنى لما أتعب».
الشوان وعبدالعاطى وغيرهما من الأبطال ماتوا غرباء عن وطن الجحود، ومازال غيرهم الذين عشقوا وطنا آخر، وفى زمن آخر، وضحوا من أجله، ينتظر فى صمت دون شكوى.. آلاف الشوان وآلاف عبدالعاطى فى مصر من المنسيين ينتظرون عين العطف والرعاية، وأن تعيد لهم ثورة الشعب اعتبارهم ومكانتهم الحقيقية.