ستخبرك شهادات القادمين من قبو وزارة الداخلية بلاظوغلى والخارجين من أقسام الشرطة منكسى رؤوسهم ويحتارون هل يشتمون الثورة أم الأمن، أن كل ما يشغل كبار الضباط وأصاغرهم هو كيفية الثأر من هذا الشعب المتفرعن الذى تجرأ وقام بثورة، بل بكل بجاحة طالب بتغيير عقلية الداخلية وأن يتساوى «الباشا» والمواطن أمام القانون، إنهم يستغلون كل فرصة منذ 28 يناير الماضى للتنكيل بالمواطن البسيط الذى يعتبره الثوار والنشطاء من «حزب الكنبة» ويستخدمه الضابط رهينة للتفاوض مع الغاضبين فى الميادين، ويدفع وحده ثمن الحرية والتغيير بعد ما دفع الشباب مقدم الثورة أيام مبارك.
مصطلح الثأر هنا لن تراه مبالغا فيه إذا كنت أحد الذين قادهم حظهم العاثر لتقديم بلاغ فى قسم الشرطة ضد بلطجى استولى على أموالك أو لص سرق سيارتك، أو حتى لفض خلاف بينك وبين أحد جيرانك، سترى نظرة الشماتة فى أعين الضابط وكأنك فريسة ذهبت لصيادها، ويضع الثورة بينك وبينه سببا للتجاهل والتراخى واللامبالاة، سينظر لك من أعلى لأسفل ويخبرك بأنهم لا قبل لهم بالبلطجية فاذهب «واسلك معاهم بنفسك»، وإذا كنت سعيد الحظ فسيتمطأ وهو يفتح لك المحضر لإعمال القانون «مش دى الثورة اللى انتو عايزينها».
أما إذا كنت ناشطا فستعرف أن كلمة «الثأر» لطيفة نوعا ما تجاه ما تقابله على أيد غاشمة وأنت معصوب العينين، فقد تتعرض للتحرش ممن لا تدرى لساعات طويلة إلى أن ياتى أحدهم بابتسامة صفراء ليفك أسرك ويعتذر لك عن سوء الفهم وقلة الذوق فى المعاملة.
ستظل قناعتى إلى يوم القيامة أن إصلاح هذا البلد لن يتم إلا بإصلاح جهاز الشرطة، ومع كل الاحترام للواء الركن الذى يتشحتف على الشاشة متسائلا عن المستفيد من إسقاط الشرطة، فلا أحد يريد ولكن أيضا لا يعقل أن تبتغى داخلية نزيهة على أساسات الداخلية القديمة الخربة التى نهشها السوس حتى سقطت فوق رأس النظام السابق، نريد ضباطا يعرفون معنى الإنسانية ويحترمون القانون، وأفراد شرطة يضعون المواطن الشريف فوق رؤوسهم لا أسفل أحذيتهم.
نريد قيادات شرطية تعرف أن فض الاعتصام وتطويق المظاهرات ليست أعمالا انتقامية بقدر ما هى تطبيق لروح القانون، نريد مجندا يرفض أن يتلقى أوامره من ضابط يصوب سلاحه لأعين المواطنين العزل، لا أن يقول له «جدع يا باشا».