مازال مشهد ملايين المصريين فى طوابير الحرية أمام اللجان الانتخابية مثار إبهار وإعجاب وإشادة من دول العالم الخارجى، وأيضا من الذين راهنوا على مقاطعة الشعب للانتخابات، وعدم الذهاب للتصويت لدواعى الغياب الأمنى، أو حدوث أعمال شغب وبلطجة.
نجح المصريون بامتياز مع مرتبة الشرف فى امتحان الديمقراطية، وفى كسب الرهان، والتحدى فى قهر أية مخاوف وصعوبات للإدلاء بأصواتهم، وإثبات استحقاقهم للحرية والديمقراطية.
اللافت فى طوابير المرحلة الأولى هذا الإقبال اللافت من كبار السن من الرجال والسيدات، وحرصهم على المشاركة فى عيد الحرية، بدافع الخوف على استقرار البلد ومستقبله، لكن ما يلخّص المشهد الرائع لزحف المصريين المذهل والحضارى فى المرحلة الأولى هو صورة طابور الناخبين فى الإسكندرية الذى وقف تحت المطر، محتميا بغطاء طويل من «المشمع» فوق الرؤوس، وهى الصورة التى تناقلتها وكالات الأنباء إلى كل العالم أمس الأول لتكون خير دليل على عظمة هذا الشعب، وإرادته الحرة فى التعبير عن رأيه عندما تحين له الفرصة، ويتيقن بصدق ما يجرى.
لكن أمام هذا المشهد المبهر لم تخلُ انتخابات الأمس من بعض المخالفات الإجرائية المقبولة، وبعض التجاوزات الخطيرة غير المقبولة التى لا يمكن السكوت عنها، وضرورة اتخاذ إجراء ما ضدها، لأنها كانت بمثابة مخالفة صريحة لتعليمات اللجنة العليا للانتخابات.
المخالفات الإجرائية تمثلت فى ارتباك التنظيم، وغياب بعض القضاة، وتأخر بعض اللجان، خاصة فى القاهرة، فى فتح أبوابها فى الصباح الباكر، وتعليق التصويت فى عدد آخر من اللجان، وهى مخالفات مقبولة فى ظل الظروف السياسية والأمنية التى تمر بها البلاد فى الفترة الحالية، ونأمل أن تتنبه إليها اللجنة العليا فى المراحل المتبقية، لإخراج الانتخابات بصورة نموذجية من الناحية الإجرائية.
أما التجاوزات الخطيرة التى برزت فى المرحلة الأولى، وتتطلب إجراء حاسما وحازما بتفعيل القانون ضد المخالفين، فهى توظيف الدين، واستغلال الشعارات الدينية فى بعض الدوائر، مثلما حدث فى شبرا وأسيوط من جماعات الإسلام السياسى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا من الكنيسة، وما تردد حول توزيع قوائم انتخابية بمرشحين من الكتلة المصرية والمصريين الأحرار، وهى الممارسات التى قد تشوّه الصورة الحضارية المبهرة للمشهد الانتخابى، وتجرفه إلى مشهد آخر تطل فيه ملامح الطائفية والتقسيم بين فئات الشعب الذى خرج طوال اليومين الماضيين ليختار بإرادة حرة من يمثله فى برلمان الثورة القادم، متجاهلا كل من يستخدم الدين فى العملية السياسية، والادعاء بأنه ممثل الإله على الأرض، ومن دونه من «الخوارج» و«الحشاشين» و«الخمورجية».
الكثير من الناس بالأمس استدعوا ممارسات الحزب الوطنى المنحل فى الانتخابات السابقة عندما شاهدوا حزب الإخوان يمارس نفس الأفعال خارج اللجان بالاستمارة «الدوارة»، وتسريب الاستمارات الأصلية، مثلما حدث فى دمياط، وملاحقة المنافسين بترويج الشائعات ضدهم، مثلما حدث مع الدكتور عمرو حمزاوى فى دائرة مصر الجديدة.
الأخطر هو ما رصدته تقارير مراقبى الانتخابات من تحالف منظمات المجتمع المدنى من قيام أنصار مرشحى حزب الحرية والعدالة، وحزب النور، بتوزيع رشاوى انتخابية بقيمة 50 جنيها للصوت فى بعض اللجان فى السيدة عائشة، والأشراف، وروض الفرج، إضافة إلى الرشاوى العينية المتمثلة فى «الزيت والسكر والطماطم..»!
اللافت أن حزب الحرية والعدالة يعيد إنتاج ممارسات حزب منحل كريه قام بتزوير إرادة الشعب بوسائله وأدواته الخاصة، والإخوان ينتهجون نفس النهج بأدوات وممارسات أخرى أخطرها استغلال الدين لإرهاب الناس، وهو ما يندرج تحت مسمى البلطجة المعنوية التى لا تختلف عن البلطجة المباشرة التى استخدمها الحزب الوطنى المنحل فى السابق.
الملاحظة المبدئية الأخيرة التى كانت الشغل الشاغل للناس الواقفين فى الطوابير، أو الجالسين فى المنازل، هى الاختفاء المفاجئ للبلطجية، ولتنظيم المولوتوف والموتوسيكلات الذى يظهر فى كل مظاهرة أو حشد جماهيرى، ولا أحد يعرف أين ذهب «اللهو الخفى» أو «الطرف الثالث»، هل هى الإرادة فى اختفائه؟ أم أن خروج الشعب بالملايين أدى إلى اختفائه؟
عادل السنهورى
الانتخابات والإخوان والكنيسة.. وأين ذهب المولوتوف واللهو الخفى؟
الأربعاء، 30 نوفمبر 2011 08:06 ص