وائل السمرى

فرصة للتعلم

الأربعاء، 30 نوفمبر 2011 09:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتخيل البعض أن الهجوم على شباب الثورة والمؤيدين لها، ينال منهم ويحبطهم ويكسر عظامهم، لكن ما لا يعرفونه أن هذا الهجوم لا يزيدهم إلا إصرارا على تحقيق أهداف الثورة وأحلامها، فلا أحد يتخيل أن المجتمع سيتغير وتصبغ الحياة باللون البمبى، بمجرد خلع رئيس أو إقالة حكومة، فالشباب موقنون بأن ما حدث فى سنوات طويلة لن يزول فى أشهر معدودات، ويعرفون أن هناك تخريبا واقعا فى الشخصية المصرية قبل المؤسسات، وأن بنية المجتمع تفككت وتناحرت وتبدلت أخلاقها وزاد فيها الركام، وقدر من يقوم بالتطهير أن يصيبه من هذا الركام نصيب، بعض الشباب دفع نصيبه مبكرا فاستشهد أو أصيب، أما البعض الآخر والذى يضطلع بمهمة التطهير، فيأتيه من حين لآخر بعض من قاذورات المجتمع ورواسبه، فيتقبلها راضيا، ولنا فى رسول الله أسوة حسنة.

فى وسط هذه البنية المجتمعية المضطربة المتناقضة، صور البعض إقبال المصريين على الانتخابات التشريعية، باعتباره انتصارا على التحرير ورجاله، وهو فى الحقيقة انتصار للتحرير ورجاله، وستثبت الأيام بعد أن يزول الطغاة تماما وترحل أسباب مصالحهم وتربيطاتهم، أن التحرير كان على صواب، وأننا سنجنى ثمار ما زرعه شبابنا ونتذكرهم بكل خير، إن كان لدينا إنصاف، فالانتخابات فى حد ذاتها لم تكن هدفا مستبعدا عند الجميع، كل ما هنالك أن المعترضين عليها-وأنا واحد منهم- كانوا يريدون اختصار المسافات وأن يطهروا الدولة لبناء مؤسساتها «على نضيف»، لكن المؤيدين لها إذا افترضنا فيهم حسن النية، كانوا يعولون على أن نبنى المؤسسات أولا، ومن ثم تطهر نفسها بنفسها، وهذا ما سيتطلب وقتا إضافيا من الربكة والتخبط والتصارع على أشياء بديهية.

أتذكر الآن أجواء الاستفتاء على التعديلات الدستورية والمعركة التى احتدمت وقتها بين مؤيدى «لا» وكنت واحدا منهم بالمناسبة، ومؤيدى «نعم» التهليل نفسه للإقبال الجماهيرى، والاستعراض الرسمى والشعبى نفسه بالقدرة على الحشد، وبعدها تجرعنا ويلات الاختيار الخاطئ، حتى المجلس العسكرى نفسه أيقن أنه أخطأ فى هذه التعديلات، وما الصراع على وثيقة المبادئ الدستورية، إلا أحد تبعات هذا الخطأ، لكن على أى حال، فقد وضعت المرحلة الأولى من الانتخابات أوزارها، وأصبحت أمرا واقعا، وجنت مصر بجميع أطيافها ما غرسه أبناؤها بدمائهم وعرقهم وكفاحهم، لكن بقى ما هو أهم، وهو أن يتحمل كل امرئ مسؤولية اختياراته، وأن يتيقن من أنه شارك فى صنع مصير بلده، وأن يراقب نفسه ويراقب من أعطى له صوته، ليفخر بمشاركته إن كان مصيبا، ويصححه إن كان مخطأ.

هذه هى الديمقراطية كما أتخيلها، فرصة للتعلم بالتجربة والخطأ، شريطة أن يتحمل كل مواطن مسؤولية اختياراته مخلصا لوطنه، والكل مدعوا إلى تصحيح المسار، إن ظهر به اعوجاج، أو إلى تدعيمه إن كان على صواب، وعلى كل أطراف العملية السياسية أن تتحمل مسؤوليتها، وتراجع مواقفها وتعيد ترتيب حساباتها، طبقا لشروط المرحلة الجديدة، فلا يجوز للفائز أن يغره فوزه، لأنه أصبح الآن فى موقع المسؤولية، ولا يجوز للخاسر أن ينال منه الإحباط، لأن عليه مسؤولية مضاعفة فى القيام بدور المعارضة والمراقبة والتقويم والتوجيه، وعلى الجميع أن يتعلم، ليصحح مساراته، سواء فى المرحلتين المتبقيتين من الانتخابات، أو بعد انتهائها تماما وتشكيل مجلس الشعب، وادينا قاعدين.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة