أعترف.. بأنها المرة الأولى التى أسعى باختيارى، للمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب. لم يسبق لى أن شاركت فى أى انتخابات، غير انتخابات نقابة الصحفيين. وكانت النتائج تأتى أحيانا كما أريد، وأحيانا أخرى على عكس ما أريد، وفى كل مرة كنت أتقبل النتيجة، وأعرف أن هناك إمكانية للتغيير، وتعلمت أن تبقى الانتخابات هى الطريق الوحيد للتغيير، وبكل عيوب نظامها الحالى فهى بلا بديل، وأى نظام يتحدد نجاحه من تكرار الانتخابات، واستعداد كل طرف للتخلى عن موقعه فى حال الخسارة. وقد انتهت ثورات الخمسينيات العربية إلى ديكتاتوريات، لأنها ألغت حق المواطنين فى الاختيار، فكانت استعمارا وطنيا حل مكان احتلال خارجى.
الطريق إلى اللجنة لم يكن سهلاً، احتجت للسؤال أكثر من مرة، ووجدت من يجيبنى ومن يسأل مثلى عن الطريق إلى «الانتخابات»، كان كثيرون من رفقاء الطريق يشعرون بسعادة، وكلهم تقريبا لم يسبق لهم أن شاركوا فى أى انتخابات. لم يكونوا ذاهبين خوفا من الغرامة، كانوا يبتسمون ويتناقشون حول الاختيارات، بعضهم يعرف ما يريده، والبعض حائر، كانوا يدفعون ثمن أجرة المواصلات ولم يحشدهم أحد. وكنت أثق فى اختيارهم حتى لو تعارض مع قناعاتى.
أمام المقرات الانتخابية كان مندوبو المرشحين، يمارسون الدعاية فى مخالفة لافتة، تأخر القاضى عن فتح «لجنتى» أكثر من ساعة، ورغم الغضب لم ينصرف أى منهم، وفى الطابور كان البعض يسأل عمن يصوت له، البعض أعلن رأيه بوضوح، ومن يقول إنه لا يعرف، أحدهم قال «الحرية والعدالة» ورد آخر «الكتلة»، وثالث «الثورة مستمرة» وقال أحدهم: «عاوزينها متوازنة.. عاوزين كرامتنا».. شعرت بالتفاؤل.
لم ألمح، على الأقل فى الفترة التى قضيتها، أى انعكاس لمباريات التعصب التى تقسم المصريين دينيا ووطنيا، ومع أننى شهدت حالات تلاعب فى الإرادة ورشاوى انتخابية من مرشحين أفراد أو قوائم تعمل على قديمه، فالرهان على وعى الناس الذين زحفوا بالآلاف على اللجان، ومهما كانت اختياراتهم علينا أن نحترمها.
تأملت آراء بعض دعاة المقاطعة، ولم تكن مقنعة، كنت أرى شيوخا ومرضى وسيدات وشبابا يزحفون للانتخابات، أملاً فى غد أفضل، بعضهم قدم للثورة شهيداً أو جريحاً أو شريكاً، ويعلم أن هذه الثورة هى التى أعادت له حقه فى التصويت، هؤلاء لم يقطعوا كل هذه المشاوير ليصوتوا ضد الثورة، ولا مع استمرار العسكر، بل صوتوا من أجل كرامتهم، اندهشت إعجابا بهم، لكنى اندهشت من مواطن يتحدث عن الديمقراطية ويحتقر الانتخابات، ويرفض الصناديق وليس لديه أى بديل.
دخلت اللجنة ووضعت صوتى وانصرفت، شعرت بسعادة، تركت اللجنة وقلت لنفسى، إذا كان الذين راهنوا على عدم الحضور خسروا رهانهم، والذين توقعوا الحضور فوجئوا بحجمه، فلماذا لايتعلم السياسيون من هذا الشعب العظيم، الذى حرس ثورته ومازال بطريقته، وبدون خطب وادعاءات وانتهازية. صحيح أن الجيش حرس الانتخابات فى وقت كانت كل التوقعات تسير إلى كارثة، لكن الحارس الحقيقى هم هؤلاء «الشعب» ولا يمكن أن يصوتوا للتسلط، أو التعصب، لماذا لانراهن عليهم.. ومهما كانت النتائج فإنها تعبر عن إرادة الشعب. حتى لو كان هناك تصويت خاطئ أو خداع، ستكون هناك فرص أخرى وسيكون الفائزون مسؤولين أمام التاريخ عن اختيار لجنة، ووضع دستور وقوانين تضمن كرامة المصريين وحقوقهم فى الحرية والعدالة والمساواة. وإن لم يحترموا هذه الملايين، فسوف تفاجئهم مثلما فاجأتهم مرات عديدة. لن يستطيع أحد أن يتوقع أفعال المصريين. أو يوظفهم لحسابه. ولهذا كنت فخوراً بأننى واحد من هذا الشعب.