إبراهيم داود

فؤاد حداد

السبت، 05 نوفمبر 2011 04:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوجد أشخاص تحولوا بمرور الزمن إلى «معنى» أكبر من أسمائهم ومنجزاتهم، لأنهم اختاروا الطريق الصعب وتحملوا مشقة اختياره، ولم يأنسوا لليأس والإحباط، ولكنهم خضروا الأرض وكتبوا على حائط الزمن ما يشير إلى قدرة الإنسان على الانتصار، فؤاد حداد واحد من هؤلاء، وكنت أظن أن الثورة التى بشر بها وسجن وحوصر بسببها ستحتفى به أو تنتبه لمعناه الكبير حتى بعد مرور 26 عامًا على رحيله، لأنه والد الشعراء كما كان يسمى نفسه، وصاحب الكرامات، المسحراتى الذى دبت رجله فى كل شوارع المحروسة لكى يستيقظ الناس، عاش يلملم خيوط الأمل لترفرف البيارق على شعب متدين تدينًا فطريّا نقيّا، عاش ولا يوجد فى قلبه وعينيه إلا فلسطين، صاحب الدواوين الـ 33 التى جعلته إمامًا يقبل الشعراء الصلاة خلفه، لأنه يمتلك طاقة روحية لا تتوفر بسهولة فى غيره، الحصار الذى فرضته السلطات الثقافية والإعلامية على شعره كان مفهومًا، لأن هذه السلطات كانت ولا تزال حريصة على رفع شأن الأدنى من شعراء المناسبات الذين يصعدون المنصات وعلى صدورهم ألقاب مثل «شاعر الثورة»، ولأن الشعر ليس مهمّا مثل لوحات فاروق حسنى وتصريحات مرشحى الرئاسة ونخبة رجال أعمال مبارك التى تشكل وجدان الناس فى فضائيات رجال مبارك، فؤاد حداد المسيحى «البروتستانتى والكاثوليكى»، المسلم، القومى العربى، الشيوعى، الشامى، المصرى من ساسه لرأسه، صاحب الثقافة الفرانكفونية، حافظ تراث العرب، الدرويش، المغنى، الذى قال «جبت اللى سحرتهم سكنتهم فوقى»، هو فؤاد حداد الشاعر الفذ الذى استلم الراية مع صلاح جاهين من بيرم التونسى وبديع خيرى، ليصنعوا معًا رافدًا عفيّا للشعر العربى المكتوب بالعامية فى مصر، تقف أمام شعره الغزير مبهورًا، من أين يأتى هذا الرجل بالإيقاعات والإيحاءات والدلالات والمفاجآت، يأخذك من يدك إلى عوالم تقرأ عنها، وإلى «حوارى» وأزقة كنت تظن أنك تعرفها، وتتعرف عليها من جديد مع شعره، فؤاد حداد من نور الخيال وصنع الأجيال، جاء بقوة العمال والفلاحين، شاهدًا على أيام العجب والموت، هو الرقص والمعنى الذى يضرب على الوجيعة ويلاقيه على الطبطاب، صاحب ميت بوتيك، عدو الاستعمار والرأسمالية والقبح، كان موجودًا فى ميدان التحرير يقرأ على الرصيف للباحثين عن الحرية.

«كل شعب وتضحياته
تصنعه وتصنع حياته
والصباح يرفع راياته
للسما ساعة ما يسمع
النفير زى الأدان
كل أرض وكل مصنع
كل أرض وكل مصنع
كل قلب يدق يجمع
للميدان».

ولا شك أنه يقرأ الآن لأصدقائه فى اليمن والشام وقريبًا فى قطر، فؤاد حداد بشر بسيرته وشعره بالثورة، وكان موجودًا فى دهاليز الإعداد لها، واستطاع محبوه ومريدوه الكثيرون المحافظة على حضوره رغم محاولات الإزاحة، كان الراحل الكبير خيرى شلبى يصدح بشعره ويكتب عنه فى كل مكان، وأيضًا محمود حميدة وأحمد عبدالعزيز ومحمود مسعود والمخرج أحمد إسماعيل وشباب إسكندريللا، وألهم عددًا كبيرًا من الملحنين مثل محمد عزت وأحمد إسماعيل وأحمد خلف وغيرهم بألحان عبرت عن أشواق المصريين الحقيقية بدون بلاغة ولا هتافات، فؤاد حداد الذى مرت ذكراه قبل أيام معنى كبير فى الثقافة المصرية، وشكل مع كثيرين جدارًا صلبًا ضد تجريف الوجدان المصرى، وحرض على المحبة والثورة وتحرير فلسطين، ويستحق بعد 25 يناير أن يتعرف عليه الناس من جديد.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة