لا تنزعج إذا قلت لك إن أسوأ ما يواجه الثورة هو ديكتاتورية أبنائها وغوغائية دراويشها وطغيان المتحدثين باسمها، إن لم تقتنع بأن كثيرًا من الثوار الشرفاء الآن ينزوون ويستخفون من الناس خجلاً مما يرتكب من جرائم باسم ثورتهم التى بدأت بيضاء وانتهت رمادية تكسوها الغيوم وتتقافز على ظهرها ذئاب السياسة وثعالب الاقتصاد وثعابين التوك شو، فراجع حاسة العدل بداخلك، فما يفعله بعض الثوار حاليًا يكون أشد ضررًا على مصر الثورة ممن تآمروا فى موقعة الجمل أو تباكوا بعد خطاب التنحى، أو تواطأوا فى غزوة الاستفتاء، يحدث الآن أنك تجد فى كل مكان ثوريّا متحمسًا أحادى الرأى ديكتاتورى النزعة حاد النقاش يعطى من فمه ما لا يرضى لأذنيه أن تسمعه، لا تستطيع أن تحاوره دون أن يدس لك اتهامًا بقلة العزيمة والاستسلام للإحباط، لا تستطيع أن تدفعه للتفكير فى احتمالية أن ما يراه قد يكون خطأً سيكتشفه لو أعاد التفكير، لن تتمكن من إقناعه بأنك ثورى مثله ولا متحول أو فل أو جبان دون أن يطلب منك إثبات ذلك بشتم هذا أو ذاك ممن يراهم أعداء للثورة والثوار.
الديكتاتورية الثورية وطغيان ما بعد يناير يشكلان وقودًا حيويّا مهمّا لآلات الفلول التى تهدر فى الخفاء ولا نرى منها سوى الدخان، فهؤلاء يهمسون فى كل أذن «شوفتوا الثورة عملت فينا إيه» ويصدقهم البسطاء لأن الخوف من المستقبل المجهول يتملك الجميع، ولن نستطيع أن نقنعهم بأننا نسعى لمستقبل أفضل لهم، لن يصدقونا مادام بعضنا يظل يشتم فى التليفزيون كل رأى يخالفه ويشكك فى كل ذمة لا ترضى بأن تنافقه، سيقتطع المنافقون كل كلمة نابية أو لفظ خادش كتبه ناشط أو سياسى أو إعلامى على تويتر أو فيس بوك، معبرًا فيه عن غضبه، ويرفعونها أمام الناس ليقولوا لهم «هذه هى أخلاق من تعتبرونهم ثوارًا أطهارًا»، سيشبعونكم سخرية كلما أطلقتم حملة تضامن مع كل من تعتقدون أنه تعرض للظلم حتى لو كان ظالـمًا، بينما الثورة قامت بالحق لتنادى بالعدل.
لن أدعو أحدًا بكلام مكرر عن التركيز فى العمل الإيجابى وبناء البلد وإعادة الأمل للمختنقين فى زحمة المدن وبث الطمأنينة للخائفين فى بيوتهم على أطرافها، ولن أقول للشّتامين «حسنوا ألفاظكم حتى تنجح ثورتكم»، ولكننى أدعو كل إنسان يعتقد أنه ثورى، ليكون رجلاً ولا يدافع عن الباطل ولا يزيف الحقائق لإثبات أنه على صواب، لقد قامت تلك الثورة على أكتاف المخلصين من أبنائها فلا تدعوها تموت من أجل الخبثاء منهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة