مرة أخرى نجد أنفسنا أمام السؤال عن الدولة والثورة والمستقبل.. سؤال بلا إجابة.. والإجابات المقدمة هى عن أسئلة لم تطرح بعد، والسبب أن هناك خطابين لكل جماعة، خطاب معلن للكاميرات والمؤتمرات وخطاب آخر خفى، يدور خلف الجدران، لا أحد من هذه التيارات السياسية يقول ماذا يريد بالضبط، وهذا ينطبق على اليسار واليمين، والليراليين، والإخوان والسلفيين والجماعة و«اللاشىء».
كلهم فشلوا فى التوصل لحوار جاد، وكل منهم يشك ويرتاب فى الآخرين، وهو ما يجعل من الصعب عليهم التلاقى على حل وسط، ومع أن غلب هذه التيارات والأحزاب، تتحدث طوال الوقت عن الشعب وما يريده الشعب، وما يفضله، لكن كل منها تتحدث عن «شعب» يبدو مختلفا عن «شعب» الآخرين، أو كأن الشعب «وجهة نظر»، بينما فى كثير من الأحيان يبدو الشعب بعيدا عن كل هذا، تحيره التناقضات والصراعات، وتبتعد نقطة الالتقاء.
وكما سبق أن قلنا فإن الخوف ليس من عودة النظام السابق، لكن من الفشل فى بناء النظام الذى يريده الجميع، وهو نظام توافقى، لن يستطيع فصيل أو تيار مهما كانت قوته أن يفرضه، والهدف فى النهاية أن تكون مصر دولة مزدهرة لكل مواطنيها، توفر لهم الفرص المتكافئة والمساواة والعدل والحرية، والدولة التى يريدها المصريون، وليست التى يريدها فصيل هنا أو هناك. فلم يكن الهدف هو إزالة أشخاص، ووضع أشخاص آخرين مكانهم، لكن الهدف هو بناء نظام دائم يسمح للمواطنين بالمشاركة والرقابة على أداء حكوماتهم، وامتلاك القدرة على تقييمهم، والإطاحة بهم إذا فشلوا، نظام نشارك جميعا فى صنعه، بحيث لا يمكن لأى فرد أو جماعة أن تحتكر السياسة والقرار، وتبقى الأغلبية معزولة.
هناك قلق لدى قطاعات من المصريين ترى أن الثورة لم تكتمل، أو تبدو أحيانا وقد ضلت الطريق لأهدافها، هو قلق مشروع طالما لم تستقر مؤسسات تشريعية وتنفيذية يمكن محاسبتها، وطالما ظل الصراع بين الأحزاب والتيارات صراعا على غنائم غير متوفرة، والحكومة والمجلس العسكرى يتحركون فى غرف مظلمة ولا يفصحوا عما يدور أو يجرى، والأحزاب عجزت عن الاتفاق، وبدأ كل منها يسعى لاقتناص مقاعد برلمانية، والاقتناص هو أكثر تعبير ملائم، بينما لم ينتبهوا إلى أن الكثير من الناخبين لم يتفهموا بعد النظام الانتخابى وكيفية التفرقة بين القائمة والفردى، وهناك مخاوف من انفلات الأمن وشراء الأصوات، وفى ظل هذه الأوضاع من الصعب أن تأتى المؤسسات معبرة عن الشعب، بل ستعبر غالبا عن تكتلات أو تيارات يتوقع أن تبقى منقسمة.. والنتيجة أنه كلما تقدمت الأحوال خطوة تعود لترجع كأننا نسير فى المكان أو نرجع للخلف.. بينما الكل يقول إنه يريد المستقبل، دون أن يعمل له.