أعتقد أن نتائج الانتخابات التونسية، ومخاوف المجلس العسكرى من تقليص دور الجيش ووضعه المميز فى الدولة قد يفسران التوقيت غير المناسب والمتأخر جدّا الذى طرحت فيه وثيقة التوافق الدستورى. فكل الأحزاب والقوى السياسية تستعد لخوض الانتخابات، ولا يوجد مبرر سياسى أو منطقى لمناقشة آلية اختيار وعمل اللجنة التى ستكتب الدستور، وهل من الضرورى التوافق على مبادئ استرشادية للدستور، أى أنها غير ملزمة، وبالتالى فما الداعى لها أصلاً!!
التوقيت غير المناسب اقترن بتسرع غير مبرر لإقرار الوثيقة التى كشف مضمونها عن مشاكل ونقاط اختلاف - تحتاج إلى حوار طويل - بشأن تكوين اللجنة التى سيختارها مجلسا الشعب والشورى لوضع الدستور، ما قد يعنى أن الحكم الجديد وبعض القوى المدنية تتخوف من احتمال تكرار السيناريو التونسى ويفوز التيار الإسلامى، وبالتالى قد ينفرد بكتابة الدستور، وقد تطرح أفكار ومواد جديدة تتعارض مع الطابع المدنى للدولة ودور الجيش وصلاحياته. وأعتقد أن هذه المخاوف لها ما يبررها فى ضوء تجربة الحكم الإسلامى فى السودان وتجربة حماس، وعلى الإسلاميين فى مصر أن يبددوا هذه المخاوف من خلال تغيير خطابهم، وتأكيد التزامهم إشراك كل مكونات المجتمع المصرى، والتمسك بالثوابت التى اتفقت وانطلقت منها كل دساتيرنا الوطنية بشأن هوية مصر ودولة القانون والمواطنة، والأهم احترام الحريات.
كان من الأجدر أن يؤكد التيار الإسلامى على هذه الثوابت ولا يقاطع حوار السلمى بل يشارك فيه ويوضح موقفه، وهو فى الحقيقة موقف قوى ومتماسك ينطلق من مبدأ دستورى أصيل، هو الالتزام بموافقة الشعب فى الاستفتاء على أن البرلمان بغرفتيه هو صاحب الحق والسلطة فى اختيار اللجنة التى ستضع الدستور وتحديد آلية عملها وصلاحياتها. ومن ثم لا مجال لتغيير أو تعديل هذا النص الذى اكتسب شرعية وقبولاً شعبيّا لا يمكن لسلطة أو كائن من كان أن يعترض عليها أو يعدلها. والمفارقة هنا أن القوى المدنية توافق على إقرار آلية بديلة ضمن وثيقة التفاهم الدستورى، أى لم تحترم ما وافق عليه الشعب فى الاستفتاء، بينما تمسك التيار الإسلامى باحترام الإرادة الشعبية رغم أنه كثيرًا ما وقف ضدها وتحالف مع أنطمة الاستبداد فى مصر وخارجها.
لكن تلك المفارقة قد تفسر بأهداف برجماتية للتيار الإسلامى خاصة شعوره بالقوة وتطلعه المشروع للفوز فى الانتخابات القادمة، من هنا ربما نفسر رد الفعل المتوتر من جانب التيار الإسلامى بأن هناك من يحاول داخل الحكم الجديد وبمساعدة كثير من الأحزاب المدنية حرمان الإسلاميين من نصر قريب. وبغض النظر عن صحة هذا التفسير فالمؤكد أن أزمة الثقة والاستقطاب بين القوى المدنية والتيار الإسلامى لا تزال قائمة وفاعلة، كما أن المجلس العسكرى لم يحسم خياراته بينهما، فهو بحكم تكوينه ووظيفته أقرب للقوى المدنية، لكن الأخيرة تنتقده بعنف وغير قادرة على توحيد صفوفها والتفاهم مع المجلس، لذلك قد لا يجد الأخير حلفاء مريحين سوى الفلول وكثير من الانتهازيين، وهو بلا شك سيناريو خطير لأنه يفرغ الثورة من مضمونها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة