من بين المحطات الكثيرة التى لم يتوقف فيها قطار الثورة فى مصر، محطة الإعلام وترسانة القوانين والتشريعات المنظمة له والحاكمة لطبيعة دوره ووظيفته فى المجتمع، وحتى الآن لم يشعر الناس بأن تغييرا قد حدث فى منظومة الإعلام المصرى الذى مازال يتعامل بعقلية النظام السابق فى البحث عن «رئيس» أو «حاكم» يوجه بوصلته ويحدد توجهاته فى التعامل مع الأحداث.
الإعلام المصرى الحكومى مازال يتعامل «على قديمه» وتسيطر عليه بقايا فلول النظام السابق، وتفرض أسلوبها القديم. وطالما استمرت الصحافة الحكومية المرئية والمقروءة على حالها دون إحداث تغيير شامل فى هياكلها ونمط الملكية فيها بحيث تتواكب مع متغيرات الواقع الجديد، فإن الثورة تبقى ناقصة الأهداف، فقديما كان القائد الفرنسى نابليون بونابرت يؤمن بأن الصحافة تستطيع بتأثيرها القوى أن تصنع وعيا مجتمعيا يكون نواة للثورة والتغيير، ولذلك أطلق مقولته الشهيرة «أعطنى صحيفة أصنع لك شعبا».
نحن نحتاج إلى ثورة حقيقية فى التشريعات والقوانين لتحقيق الاستقلال والحرية الكاملة للإعلام المصرى بعيدا عن السلطة ونظام الحكم حتى يتمكن من القيام بدوره الحقيقى والفعال فى نهضة وتطور المجتمع ومواكبة التغيير الحاصل فيه.
التشكيل الأخير للمجلس الأعلى للصحافة الذى صدق عليه المجلس العسكرى أصاب المجتمع الصحفى بالإحباط وجاء تشكيله بنفس الأسلوب القديم دون مراعاة الواقع الصحفى الجديد الذى أحدثته الصحافة الخاصة منذ صدورها فى فرض آليات مغايرة ساهمت وبشكل جدى فى تنمية الوعى المجتمعى وكانت إحدى الأدوات المؤثرة فى قيام ثورة يناير، وقدمت نمطا مختلفا عن الصحافة الحكومية والحزبية، ومع ذلك تجاهل التشكيل الجديد رؤساء تحرير ومسؤولى الصحف الخاصة فى عضويته بحجة أن ضم الصحف الخاصة لعضوية المجلس الموقر كان يحتاج إلى تعديل تشريعى يضيف مادة جديدة تسمح لرؤساء تحرير الصحف الخاصة فى الانضمام إلى عضوية المجلس الذى تحول خلال فترة نظام حكم مبارك إلى قهوة معاشات، ومكلمة لا طائل منها، ووسيلة للحصول على المكافآت والحوافز دون القيام بدوره الحقيقى الذى تحكمه 67 مادة، منها على سبيل المثال ضمان حد أدنى مناسب لأجور الصحفيين، وتحديد نسبة مئوية سنويا من حصيلة إعلانات الصحف لصالح صندوقى المعاشات والإعلانات لنقابة الصحفيين.
كان الأجدر أن يعاد النظر فى قانون تنظيم الصحافة وتغيير المواد الخاصة بالمجلس قبل إعلان التشكيل، ونقول إن الفرصة مازالت متاحة للتغيير.