يسرى الفخرانى

فى وصف الحالة النفسية للمصريين الآن!

الإثنين، 07 نوفمبر 2011 05:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا فرح، لا حزن، فى منتصف المسافة تماما تقف مشاعر المصريين، الأغلبية -حتى أصف بدقة- الأغلبية فى عينيها ضحك كالبكاء، ودموع زجاجية صلبة لا تعرف هل هى تعبير عن سعادة مطلقة، أم نتيجة هموم تتراكم!

فى المنتصف، تقف مشاعر الأغلبية، مهددة بعدم اكتمال الفرح أو الحزن، هذا أصعب ألم نفسى يمكن أن يتعرض له إنسان، الطوفان المذهل من الأحداث التى لم يعتدها المواطن المصرى والتى انفجرت فى أقل من سنة، انفتحت فجأة كل الصناديق المهملة لتطل بأخبار وبشر من كل صنف، نبؤات لا يصدقها عقل تتحقق فى غمضة عين، تدفق جرف معه كل الأعصاب وقطع كل الأصابع، امتزجت الأحداث بالحوادث، بعنف بخوف بقلق بأخبار متقاطعة وأنباء متناقضة، وجوه تختفى ووجوه تسقط ووجوه تتحول، أصبحنا مثل قبيلة تقف على لوح خشب فى عرض بحر هائج، كلنا أمل فى النجاة.. على الرغم أن المسافة إلى الشاطئ بعيدة وهناك صراخ عنيف فوق السطح والبعض ينزلق والبعض يهتف والبعض يصلى والبعض يقرر السباحة بنفسه والبعض يفضل الغرق!

مايحدث صعب، خاصة لمواطن الحرية هى آخر ما كان يبحث عنه، رغيف العيش أهم اهتماماته، أولاده هم حزب الأغلبية بالنسبة له، يدعو الله بوطن مستقر هادئ، يذهب لعمله كل صباح ويعود، كما كان صاغا سليما، فكيف يستوعب أن فى كل دقيقة هناك احتمالا أن يقفز لص ليسرقه أو يقتله، كيف يفهم أنه يجب أن يكون هو حضرة الضابط الذى يحمى بيته ويحمى زوجته وأولاده، كيف يصدق أن البلد حكومته غارقة فى دوامة مشاكل هائلة وعليه من الآن أن يدرب نفسه على شهر بدون راتب إذا ماعجزت الحكومة عن تدبير الأمر!

كيف يفسر وهو المواطن البسيط الذى يكفى خيره شره أنه كلما همس فى أذن مواطن زميل يعتقد فيه النباهة ويتصور أنه واع وإيده طايلة ليسأله بكل براءة إنسان يبحث عن الأمان: هو حال البلد كده يعنى رايح على فين؟ فتأتيه الإجابة: والله ياأخى ماأنا عارف!

وضع مقلق ومربك ألا تعرف، خاصة إذا لم تفقد الأمل مثل كثير من الناس، أمل، مجرد أمل بدون معلومات حقيقية وموثقة، بدون معلومة، هنا تبدو أو تبدأ المشكلة: المعلومة، غيابها مثل سرقة القمر من ليل طويل ننتظر له فجرا على أمل، والمعلومات والحقائق تأتينا متأخرة للغاية، تأتينا بعد خراب مالطة واشتعال الأعصاب، وعلى سبيل المثال فقط: ليس هناك معلومات حقيقية عن الوضع الأمنى على أرض الواقع حتى الآن، هنا أى خبر ولو صغير يتحول إلى صاعق كهربائى عنيف يطل بوجه غامض وغاضب وكئيب على الناس، أيضا: ليس هناك معلومات موثقة عن وضعنا الاقتصادى، هنا مرة أخرى أى شائعة تجعل بندول الاستثمار طالع نازل مثل مجنون رسمى!

غياب المعلومة الحقيقية المختصرة الدقيقة فى وقتها ومهما كانت صعبة أو مؤلمة، هو الطريق للاضطراب النفسى الهائل الذى تعانى منه الأغلبية التى تراقب وتتابع الموقف، هناك جمل ناقصة وعبارات محذوفة وصفحات كثيرة نعجز عن قراءتها بوضوح، كما هناك فى العمق آلات ضخمة تعمل على نشر أكاذيب خطيرة بحرفة، وبث فتنة لأغراض غير مبررة.
وهكذا أخبار كثيرة تنشر.. من أصل كاذب، وللأسف كلها تصيب الوطن فى قلبه المجهد، لا يخفى على أحد أن وراءها غرض تشويه أو تشويش أو ترويع أو بطولة زائفة أو مصلحة خاصة!

أنا ضد الحرية التى يكذب صاحبها من أجل أن يبدو ملاكا بجناحين، ضد الحرية التى تصنع حالة يأس ورعب وتقتل فى برودة محترفا من الظهر، ضد الحرية التى تحول مصر بكل طيبتها وقامتها إلى صفحة حوادث، دم هنا ورصاصة هنا وخائن هنا وعميل على طرف الصفحة هناك، كيف جاء هذا الصباح الذى أكتشف فيه أن كلمة صباح الفل أو نهارك سعيد لا تناسب مساحة العداء والكراهية التى دخلت مفردات حياتنا وتفاصيلها، أخبار الصحف تحولت إلى سكين حاد على أعناق القراء مؤلمة دون أن تقتل وتريح، وبرامج المساء بكل وجوه مذيعيها وضيوفها تسحب ماتبقى من ضوء وأكسجين، لنموت ببطء وبعذاب ودون أن نستريح!
الأغلبية بين حزن وفرح، بين قلق وأمان، بين كابوس وحلم، تمضى بأيامها، لكنها تبقى دائما فى منتصف المسافة، مريضة بمرض عدم اكتمال الأشياء: لا الدموع تأتى ولا الضحكة تكتمل، والعلاج صعب.

ملحوظة للأمل الأخير: صعب.. لكنه ليس مستحيلا!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة