فرق كبير جدا بين أن تفرح بناس بلدك وخروجهم من «قمقم» السلبية، وبتلك الطوابير المشتاقة إلى الحرية وصناديق الاقتراع الشفافة والنزيهة التى لا تعرف تزويرا أو تزييفا للأصوات, وبين أن تفرح بالانتخابات نفسها، وتوقيتها الذى جاء مبكرا وقبل خطوات أخرى كان من الممكن أن تضمن سيرا أكثر سهولة للمرحلة الانتقالية.
فرق كبير جدا بين أن تفرح بكل هذا الأمان الذى رافق العملية الانتخابية بعد أسابيع من التوقعات كانت كلها تتحدث عن بحور من الدم والمعارك والبلطجة، وبين أن تفرح باكتشاف أن الانفلات الأمنى كان صنيعة من يريدون لهذا الوطن الشر، فما حدث فى الانتخابات يدفعك دفعا نحو سؤال يقول أين كانت كل هذه القوات وكل هذا الحزم وكل هذا الحرص على تأمين البشر والمنشآت خلال الشهور الماضية التى عاش الناس فيها رعب الانفلات الأمنى وقطع الطرق؟!
تأمين الانتخابات كما تقول الحكمة الغنائية الشهيرة للست ليلى مراد: «كلام جميل منقدرش نقول حاجة عنه»، ولكننا نستطيع أن نستخلص منه كلاما كثيرا وأسئلة أكثر، أهمها إذا كان فض قطع طريق لم يأخذ من القوات المسلحة 10 دقائق كما حدث فى أسيوط حينما قرر أحد النواب الاعتراض بقطع طريق، فكيف نفسر عمليات قطع الطرق وخطوط السكك الحديدية التى استمرت لشهور دون أن يردعها رادع؟!
تأمين الانتخابات دليل إدانة للمجلس العسكرى قبل أن يكون سببا يدعونا للإشادة به، لأنه أثبت عمليا أن المجلس كان يستطيع تأمين الوطن وتخفيض مستوى الرعب الكامن فى نفوس الناس على أموالهم وممتلكاتهم، المجلس العسكرى مطالب بأن يقدم لنا تفسيرا لهذا الأمر قبل أن يطالبنا بأن نشكره على جهده الذى هو فى الأصل واجب ارتضاه حينما ارتضى تحمل المسؤولية.
قبل الانتخابات بشهور كانت النتيجة معروفة، وأصغر طفل فى أضيق حارة مصرية كان يعرف أن الإخوان ممثلين فى حزب الحرية والعدالة، والسلفيين ممثلين فى حزب النور ستكون لهم الصدارة، ليس فقط لأنهما رفعا شعارات دينية داعبت مشاعر الناس، وليس فقط لأنهم يملكون المال، ولكن لأنهم القوى الأكثر تنظيما والأكثر قدرة على الحشد.
اختلف مع الإخوان والسلفيين كما شئت، وتعجب من إصرارهم على اختراق القانون وارتكاب التجاوزات الانتخابية بأخلاق هى أبعد ما يكون عن الإسلام، واستنكر حالة التقارب الشبهى بين أساليبهم الانتخابية وأساليب الحزب الوطنى المنحل، ولكن اعترف أن الإخوان والسلفيين يحصدون ثمار تماسكهم وحفاظهم على مواطن قوتهم طوال عشرات السنين الماضية التى تعرضوا فيها للسجن والقهر، بينما كانت القوى الليبرالية واليسارية فى مصر تتآكل وتتعارك وتنهار فى حضن السلطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة