لا أمل الآن إلا فى أن تعلمنا الديمقراطية فى سنين ما لم يقبل به الشعب فى أشهر معدودات، راهن الثوار على التطهير، وراهن الشعب على التسيير، والفارق بينهما شاسع ومهول، وبرغم كل شىء أرى أن حلم الثورة الأول قد تحقق وعادت السيادة للشعب فى الانتخابات التى لم أكن لأرضى عن إجرائها وسط كل هذه التضليلات الممنهجة، لكن عزائى الأول والأخير هو أن الشعب الذى نزل بالملايين إلى المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية لن يتنازل عن حقه فى الديمقراطية التى سلمته صك ملكية الوطن، وأملى أن يراقب كل مواطن أداء من أعطى لهم صوته، وأن يكون قيما عليهم ومراقبا لتصرفاتهم، ليتعلم من الأخطاء ويتأكد من الصواب.
تقودنى وقائع الانتخابات التى تعلمت منها الكثير إلى اكتشاف خطيئة كبرى وقع فيها ثوار مصر، وسامحونى يا أصدقائى إن كان كلامى قاسيا، فكما يقول الفيلسوف الألمانى الكبير «فريدريك نيتشه» الصديق للصديق كالفراش «الخشن»، فللأسف لم يدرك ثوار مصر مقدار الفجوة الزمنية بينهم وبين معظم الشعب المصرى الذين بذلوا من أجله كل نفيس، فلم نأخذ فى الحسبان أن قبل الجيل الثالث من التكنولوجيا الذى نستخدم به البلاك بيرى والآى باد لندون على تويتر وفيس بوك جيلين سابقين عليه من التكنولوجيا، ناهيك عن أن قبله أيضا «تكنولوجيا» التى يخطئ البعض فى نطقها، وقبل كل ذلك قراءة وكتابة وعلم وثقافة.
لم ندرك هذه الهوة المتسعة والتى زادت اتساعا، وتركناهم نهبا للمجلس العسكرى وإشاعاته، والجماعات المضللة وخرافاتها، والمأجورين الفاسدين وألاعيبهم، ظننا أن عدالة القضية وحدها كفيلة بأن تبعث الثقة فى الثورة ورجالها، وقد حدث هذا بالفعل فى أيام الثورة الأولى وشكل هذا الأمر رعبا فى نفوس أعداء الثورة، فعملوا على تبديد ثقة إخواننا فى مطالبنا ليفرغوها من معناها، ونسينا فى غمار هذه المعارك المتتالية أن نغرس لعدالة القضية جذورا ممتدة، تمكنها من أن تصل إلى كل بيت وعقل.
كنت أفكر فى هذا الكلام وأنا فى طريقى إلى الميدان، بعد أن سمعت أنباء عن وقوع مشاجرات بين المعتصمين وبين البلطجية المزروعين فى الميدان فى هيئة بائعين، وحينما وصلت إلى الميدان هالنى ما رأيت، وأدركت أن الأوان قد آن لتصحح الثورة مسارها داخليا، وأن يكف من يتحدثون باسمها عن الثرثرة، وأن نستغل طاقتنا فى حب الوطن بطريقة أكثر إيجابية، خاصة بعد أن خذلنا السياسيون الذين نادينا باسمهم فى الميدان، وتهافتوا على موائد المجلس العسكرى، هابطين بسقف المطالبات من مجلس رئاسى إلى حكومة انتقالية، وانتهى الأمر فى آخر المطاف إلى «مشاورات حول مجلس استشارى» لهذا أدعو إخوانى إلى «استراحة محارب» نلتقط فيها أنفاسنا ونعيد ترتيب أوراقنا، وبناء استراتيجياتنا، كما أدعوهم إلى فض اعتصام التحرير لنحافظ على بهاء الميدان وجلاله، وليأت الفض بمظاهرة حاشدة لتكريم شهداء محمد محمود والمطالبة بثأرهم، معلقين دماءهم فى رقبة الساسة والمجلس العسكرى، على أن نعطيهم مهلة للتحقيق فى وفياتهم وإصاباتهم ومعاقبة المجرمين الذين أزهقوا أرواحهم وفقأوا أعينهم، تسألنى: وماذا لو لم يفعل شيئا لهم مثلما لم يفعل شيئا لشهداء يناير؟ وأرد: حينها أمامنا خياران.. إما أن نحول دفة الهجوم على أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، أو أن نعود إلى الميدان مرة أخرى هاتفين: يسقط يسقط حكم العسكر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة