من الخطأ أن يتصور المجلس العسكرى الإقبال الشديد على التصويت فى الانتخابات، انتصاراً شخصياً له، أو يعتبره استفتاء جديداً على شرعيته، ويرتب على ذلك قرارات ومشروعات لتمديد سلطته بعد يونيو 2012 موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية، لا أدعى أن هناك من يفكر داخل المجلس بهذه الطريقة، لكنى أخشى من ميليشيات الإعلام المنافقة والمطبلاتية، أن تدخل فى روع القيادات أنهم القادرون وحدهم على العبور بمصر من الجحيم إلى الجنة ومن المرحلة الانتقالية بكل مشكلاتها وكوارثها إلى الاستقرار المنشود.
ما يدفعنى إلى هذا التحذير الضرورى، هو دروس عصر مبارك، الذى يشكل بالنسبة لنا التجربة الأبرز والعبرة الأولى، التى مازالت ماثلة أمام عيوننا، ومن يراجع السنوات الأولى من حكم المخلوع قبل أن يسيطر عليه شياطين المصالح الخاصة، يكتشف أن الفرعنة بدأت من تجاوزه الخط الأحمر الذى ألغاه سلفه، وهو تحديد فترات ولاية الرئيس فى الدستور من مدتين فقط، وجعلها مفتوحة، ورغم أن السادات لم يستفد من التعديل، لم يتعظ مبارك من خطورته، ولذا لم يعد الأمور إلى نصابها، واستمرأ «الزن على الودان الأخطر من السحر» حتى وصل الأمر إلى مشروع توريث مصر، وما جره ذلك من كوارث على البلد ومكانتها فى دوائر تأثيرها الثلاث العربية والإقليمية والعالمية.
وإذا كان لنا أن نذكر بشىء، فلابد أن نذكر بأن الذين خرجوا للتصويت فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب ليسوا طائفة أو فصيلاً من المصريين، بل هم الغالبية الساحقة التى تضم كل الأطياف السياسية، بما فى ذلك عدد كبير من المعتصمين فى ميادين مصر أو الذين لديهم تحفظات على أداء المجلس العسكرى، وخرجوا تحديداً بهذه الكثافة، إيمانا منهم بضرورة الإسراع فى طى المرحلة الانتقالية والوصول إلى الهدف الثانى للثورة وهو بناء مؤسسات دولة حقيقية تمثل الشعب ولا تمثل النظام: مجلسى الشعب والشورى ورئيس منتخب شرعى والبدء فى مرحلة النهضة الفعلية المقترنة بالمحاسبة.
الذين خرجوا للتصويت بكثافة لم يكونوا مجرد رد فعل على أحداث دامية تعرضنا لها خلال الشهور العشرة الماضية، بدءا من موقعة الجمل إلى موقعة ماسبيرو وصولا إلى موقعة محمد محمود، وإنما كانوا يمثلون الفعل الأساسى الذى حاول المغرضون أياً كانت انتماءاتهم وتوجهاتهم وأهدافهم أن يشوشوا عليه وأن يجعلوه مجرد رد فعل لكارثة أو حادث دموى.
الذين خرجوا للتصويت أكبر وأعظم من كل الأوصاف التى أطلقت عليهم فهم ليسوا حزب الكنبة، وليسوا الأغلبية الصامتة، المتأثرين بالنشطاء فى الميدان أو الذين خضعوا للاستقطاب الرئيسى الإسلامى والمسيحى، رغم وقوع أخطاء ملحوظة وممارسة بعض الفصائل السياسية والدينية، ألاعيب الحزب الوطنى المنحل فى شراء الأصوات والذمم واستغلال الوضع الاقتصادى المتراجع لشرائح كثيرة فى المجتمع، وكذلك استغلال الميل التلقائى للتدين لدى المصريين ليتحول إلى حزمة من الأصوات لمصلحة هذا الفريق أو ذاك.
وإذا كان الشعب المصرى بكل أطيافه وفئاته، قد خرج لاختيار من يمثله فى مجلس شعب حقيقى، ولم يستجب للضغوط أو المناخ الصعب الذى تداخلت عوامل وعناصر كثيرة حتى تحشرنا داخله، فذلك لا يمنعنا من الاعتراف بصواب القرار الذى اتخذه المجلس العسكرى بالمضى فى الانتخابات، رغم الأصوات التى ارتفعت مطالبة بالتأجيل أو الإلغاء على شاشات الفضائيات، القرار صائب وحكيم ويرفع من رصيد المجلس، لكنه كما أسلفنا ليس نصراً له بل هو إعلان عن إرادة شعب يتجه لبناء دولته بتصميم وعزيمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة