عندما تنجح فى تخويف شخص أو جماعة ستنجح فى فرض إرادتك عليهم والتلاعب بأفكارهم، وعبر التاريخ استخدمت الحكومات هذا الأسلوب بدرجات مختلفة، وبالطبع كان للأنظمة الاستبدادية والطغاة النصيب الأكبر، مبارك استعمل فزاعة وصول الإسلاميين للحكم، وفزاعة انتشار الإرهاب والفوضى، وفزاعة التآمر الخارجى، والمجلس العسكرى أضاف إليهم فزاعة انهيار الاقتصاد، لكن بعد فوز الإخوان بأكثر من نصف مقاعد المرحلة الأولى، سادت فزاعة حكم الإسلاميين المشهد العام، خاصة أن أغلب القوى المدنية تروجها.
يمكن أن نخشى من غموض البرنامج السياسى للإخوان، ونقص خبرتهم فى السياسة والحكم، وخلطهم بين العمل السياسى والدعوى، وجمود أفكارهم تجاه الآخر، لكن ليس من حقنا رفض نتائج الانتخابات، بل لابد من احترام إرادة الناخبين، والتسليم بها، فهذه هى الديمقراطية.. أما التشكيك فى نتائج الانتخابات، والادعاء بأن البرلمان القادم لا يمثل كل المصريين فأمر مرفوض تماما ويتنافى مع الحد الأدنى من القيم الديمقراطية السليمة، أيضا ليس من المقبول تضخيم السلبيات التى وقعت خلال الانتخابات، فقد ارتكب المرشحون ومن كل الاتجاهات مخالفات كثيرة، ولم تقتصر لعبة خلط الدين بالسياسة على التيار الإسلامى، بل مارسها مرشحو الكتلة المصرية.
من واجبنا قبول نتائج المرحلة الأولى والمطالبة فى الوقت نفسه بالتحقيق الشامل فى كل التجاوزات، والتحذير من تكرارها فى المرحلتين الثانية والثالثة، لكن ليس من حق أحد، بما فى ذلك المجلس العسكرى أو مجلس الأشقياء – أقصد المجلس الاستشارى – أن ينقلب على إرادة الناخبين، وعلى شرعية النواب المنتخبين، وحقهم فى اختيار لجنة الدستور، ومراقبة السلطة التنفيذية، أى المجلس العسكرى والحكومة، وبالتالى فإن أى محاولة لتعطيل هذا المسار الشرعى ستعتبر انقلابا على الديمقراطية يذكر بما حصل من عسكر الجزائر ضد الإسلاميين.
لا نريد أن نكرر ما حدث فى الجزائر من مآسٍ وحرب أهلية، ولا نريد أن يخدعنا المجلس العسكرى بفزاعة انفراد الإسلامويين بكتابة الدستور، وبالتالى يبرر استمرار انفراده بالسلطة، فيجرد مجلس الشعب القادم من سلطاته وحقوقه، ويستخدم فى ذلك وزارة بيروقراطية من كبار السن، ومجلس استشارى، وللأسف ستجد بعض الليبراليين يدافعون عن مجلس الاستشارى وعن نهج المجلس العسكرى بدعوى أن كتابه الدستور عملية توافقية، ولا يمكن أن تترك للأغلبية أيا كانت، بل يجب أن يشارك فيها الجميع على أسس توافقية، وأنا شخصيا مع ضرورة التوافق فى كتابة الدستور، لكن لا أرى تعارضا بين التوافق واحترام قيم وآليات الديمقراطية، وأعتقد أن المجلس العسكرى يستخدم مبدأ التوافق على كتابة الدستور ليس حبا فى الديمقراطية، وإنما كى يضمن وضعية مميزة فى الدستور والدولة.
المجلس العسكرى ببساطة يعيد استخدام لعبة السادات فى ضرب القوى السياسية بعضها ببعض، فقد وظف الإخوان والسلفيون فى البداية لاحتواء الثورة، وتخويف القوى المدنية، ثم يعود الآن لتوظيف بعض القوى المدنية الفاقدة للشرعية – حكومة الجنزورى والمجلس الاستشارى - لضرب الإخوان والسلفيين، وفى الحالتين يغامر المجلس ومن دون خبرة بالديمقراطية وبمستقبل مصر.. أتعشم أن تستوعب كل القوى السياسية وشباب الثورة ملامح هذه اللعبة، وألا تنجر للصدام مع بعضها البعض، وليتذكر الجميع أنهم عندما توافقوا وعملوا معا أنجزوا أهم ثورات مصر، ومن الممكن استعادة خبرات التعاون والعمل المشترك، ولتكن البداية استكمال الحوار الذى دشنه السلمى، لكن مع تعديل وثيقة السلمى، وتغيير فى أسلوب الحوار والأطراف المشاركة فيه، وأعتقد أنه ليس من الصعب التوصل إلى تفاهمات بين الإخوان والقوى السياسية الأخرى على قواعد تشكيل لجنة الدستور ومبادئ عامة للدستور بما يحقق التوافق المطلوب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة