لا أعرف من هو فلتة عصره وأوانه خبير الإحراج وألوانه الذى طرح قضية البكينى على مائدة الحوار حول مستقبل مصر، ولا أعرف من خطط ودبر لموقعة البكينى، متخيلا أنه سيصيب الإسلاميين فى مقتل حينما يقول للناس إنهم سيحرمونه، متخيلا أن الشوارع ستضج بالمظاهرات حينما يفجر قنبلته المدوية، أو أن الآلاف سيخرجون إلى الميادين هاتفين «كلنا فداء البكينى»، ولأن أمر البكينى شغل الدنيا وملك الناس تخيل شيطانى أن مفجر هذه الثورة متواطئ مع السلفيين والإخوان، لذلك اختار تلك القضية التافه ليظهر تفاهة من يهاجمهم، لكنى سرعان ما نهرته مكتفيا بأنه «أهطل» فقط.
إن كنا حقا نريد أن تقضى على البكينى فلدينا آلاف من أطفال الشوارع، يلبسونه جبرا لا اختيارا، وقد تقطعت ملابسهم وظهرت عوراتهم، تنهشها الأعين الخائنة، ويأكلها برد الشتاء، ويحرقها حر الصيف، إن كان الإسلاميون أو الليبراليون يرون حلا لنوعية البكينى المنتشرة فى شوارعنا فأهلا وسهلا بهم وبنقاشاتهم، لكن إن اقتصر الأمر على البكينى الذى اختفى من شواطئنا ومصايفنا منذ سنين فساء ما يبحثون.
انتهت مشاكلنا وسددنا ديوننا، وعالجنا مرضانا، ونظفنا شوارعنا وقضينا على الأمية والبطالة ومعدلات الفقر المرتفعة، ولم يتبق لنا إلا البكينى لنفرغ له الحوارات والنقاشات ونستهلك فيه أوقات الناس وأعصابهم، ولأن التفاهة بالتفاهة تذكر، فإنى أريد أن أسأل علماءنا وفلذات عقولنا ومرشحينا للرئاسة عن رأيهم فى المايوه العادى «اللى قطعة واحدة» الذى اختفى أيضا من شواطئنا منذ سنين، وإنى أرجو قبل أن نشن الحرب على المايوهات خاصة البكينى منها أن نجتاز معركة حقيقية لا وهمية، ولذلك أدعو الإخوة المتعاركين أن يوجدوا البكينى أولا ثم يمنعوه، وهكذا تكون المعارك وإلا فلا.
لا أصدق أن القضايا الفاصلة الآن بين دعاة الليبرالية ودعاة الإسلامية اقتصرت على الموقف من البكينى والخمر واللحية والنقاب، كما لا أصدق أن القضية اختزلت فى تلك الأمور الشكلية الفارغة، ولا أعرف لصالح من يتم تغييب القضية الأساسية فى كارثة الخلط بين الإسلام والسياسة لصالح «البكينى وأخواته»، وإنى أشهد الله قبل الإسلاميين أنى حينما اتخذت موقفى المناهض لأسلمة السياسة لم أفكر مطلقا فى البكينى، فالقضية من وجهة نظرى سياسية فى الأساس، وتخوفى الأول من تسلط الإسلاميين هو أن يصبح الاستبداد باسم الله كما حدث فى كل العصور المظلمة، سواء المسيحية أو الإسلامية، وأن يضع الإسلاميون معارضيهم فى خانة الكفار لا خانة المختلفين، وأن يتم فتح الباب للتطرف والمزايدة باسم الله أيضا، وأن أرى المصاحف مرفوعة على أسنة الرماح كما حدث فى الفتنة الكبرى، أما البكينى فأنا برىء منه، وآخر دعواى «اللهم اكفنى هطل أصدقائى أما أعدائى فهم كفيلون بأنفسهم».