نجاح «الحرية والعدالة» فى الانتخابات يعنى ثقة أغلبية المصريين فى أفكار الحزب ومرشحيه، وزيادة الأعباء والتحديات التى تواجه الإخوان المسلمين.. فالجماعة ذات التاريخ الطويل فى العمل الدعوى والإصلاحى المختلط بالسياسة تواجه- ولأول مرة- محنة الوصول للحكم.
تحول مدهش ربما لم يكن يتوقعه حتى الإخوان أنفسهم، وأخشى أنهم لم يستعدوا له، فالإخوان تربوا وتدربوا على المعارضة، ولديهم خبرات هائلة فى كيفية مواجهة الاضطهاد، والملاحقات الأمنية التى كانت تشتد أو تهدأ، لكنها لم تتوقف خلال عشرات السنين، إلا فى فترات قليلة.
فقه المعارضة- إذا جاز القول- يختلف عن فقه الحكم، فالأخير يتطلب نوعية جديدة من الأفكار والخبرات، لابد أن تتوافر للإخوان، جماعة وحزبا، وهو أمر صعب لكنه ممكن، ومصدر الصعوبة أن حكم مصر يأتى للإخوان والبلد يعانى من تركة ثقيلة من الهموم والمشاكل طالت أجهزة الدولة، والتعليم، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والأخلاق. وإذا كانت تركة المشكلات موروثة عن المخلوع، فإن إدارة المجلس العسكرى، وغياب الأمن، أنتجا مشاكل من نوع جديد، أهمها الانقسام، وتبديد 16 مليار دولار من الاحتياطى النقدى، وتراجع الدخل من السياحة، وهروب الاستثمارات.
القصد أن الإخوان أصحاب الأغلبية يواجهون أزمة حقيقية، حادة ومتفجرة، هى أزمة الحكم فى بلد منهوب، يعانى من انقسامات بين القوى المدنية والإسلامية، وبين الشباب والشيوخ، وبين الفقراء والأغنياء، وبين الأقباط والمسلمين، وبين العسكر والمدنيين، وبين الإخوان والسلفيين. كل هذه الانقسامات تحتاج إلى حلول وصيغ مبتكرة للتوافق، وتعايش الجميع من أجل وحدة مصر ونهضتها. والمعضلة أن نهضة مصر مستهدفة بمخاوف وأطماع إسرائيل، وقلق أطراف عربية ودولية من عودة المارد المصرى.
على الإخوان- حزبا وجماعة- مواجهة كل هذه المشكلات والانقسامات، من خلال:
تجديد الذات من الداخل، بوضع نهاية للصيغة المزدوجة والمرتبكة بين الدعوى والسياسى، وبين الجماعة وحزب الحرية والعدالة، ولن يضير الجماعة أن تتحول إلى حزب، بل قد يفيدها ذلك فى تقديم نموذج جديد للعمل السياسى القائم على مكارم الأخلاق، والإصلاح الاجتماعى.
عدم الوقوع فى خطيئة الغرور، والشعور بالقوة والرغبة فى الانفراد بالحكم، لأن حجم التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية يتجاوز قدرات الإخوان، ويتطلب مشاركة وتعاون كل أبناء مصر، وبالتالى يجب على الإخوان قيادة عملية توافق وطنى عام، تجمع معظم الأحزاب والقوى السياسية للعمل المشترك، ولتكن البداية التوافق على لجنة كتابة الدستور، ثم الاستعداد لتشكيل حكومة ائتلافية تعتمد على تأييد قاعدة اجتماعية واسعة، وتستعين برؤى وخبرات وطنية وثورية متنوعة.. فى الوقت نفسه يجب احترام الأقلية التى لن تشارك فى الوزارة، واحترام دورها فى القيام بدور المعارضة، دون اتهام بالعمالة أو التكفير.
أن تحذر الجماعة من لعبة تخويف القوى المدنية والأقباط من التيار الإسلامى، وتعمل على تطمين الجميع بأن الخلاف فى الرأى لا يعنى تكفير الآخر أو تهميشه. والأهم تأكيد أن الحكم بمرجعية إسلامية لا يعنى التدخل فى الحريات الشخصية، أو المساس بحقوق المواطنة الكاملة، بما فى ذلك تولى المناصب القيادية فى الجيش والدولة، والترشح لرئاسة الدولة.
تجنب الصدام مع الجيش، فهو تجسيد للوطنية المصرية ولدولة المواطنة والقانون، لذلك لابد لائتلاف الأحزاب والقوى الذى سيقوده الإخوان من الحوار مع المجلس العسكرى، والتوصل إلى تفاهمات بشأن عدم المساس بمكانة الجيش وهيبته، والحفاظ على سرية موازنته، مقابل عدم تدخله فى كتابة الدستور، وضمان تسليمه السلطة، وعدم تدخله فى السياسة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة