شعر كل مصرى بالفخر والسعادة وهو يرى أهم النتائج الملموسة لثورة 25 يناير ولدماء الشهداء، التى روت شجرة الحرية ليحصد ثمارها كل المصريين فى أول انتخابات تعيد كرامة وإرادة المواطن، ويشعر معها أن لصوته قيمة، وأنه يستطيع التغيير من خلال صندوق الانتخاب، وشاهدنا خلال أيام الانتخابات، مشاهد وصور تؤكد عظمة المصرى ونضجه السياسى، الذى طالما شكك فيه النظام السابق، وحازت إعجاب وتقدير أكثر الدول تقدما.
طوابير امتدت لأمتار طويلة يقف فيها المواطن سعيدا وهو يمارس حقا طال انتظاره، لم يعبأ فيها بالبرد ولا المطر، أمهات حملن أطفالا رضع، مسنات وكهول جاءوا على كراسى متحركة أو محمولين على الأيادى والأعناق، أو يتكأ كل منهم على عكاز أو عصا ليؤكد أنه حر يمتلك إرادة ورغبة فى التغيير، وأن يكون له دور فى بناء مصر الجديدة، ووسط هذه الفرحة تأتى بعض الممارسات التى لم ترتقى لمستوى الحدث من جانب بعض الأحزاب والتيارات والمرشحين فى محاولة استغلال الدين استغلالا رخيصا، لا يليق بقدسيته، سواء على الجانب الإسلامى أو المسيحى، وهى الممارسات التى لم تستطع رغم خطورتها أن تفسد هذه الفرحة.
وكان من اللافت للانتباه أثناء الجولة الأولى للانتخابات ما أثير حول تصويت المنتقبات، وإصرار عدد منهن على عدم كشف الوجه أمام القاضى ليتأكد من شخصية كل منهن، ومطالبتهن وعدد من قيادات التيار السلفى بأن ينيب القاضى عنه إحدى الموظفات أو المندوبات أو حتى الناخبات فى التأكد من شخصية المنتقبة، بل وصل الأمر إلى اعتصام عدد من المنتقبات وأزواجهن وبعض المنتمين للتيار السلفى أمام إحدى اللجان بمحافظة البحر الأحمر، وطالب المتحدث الرسمى لحزب النور السلفى من خلال أحد البرامج الفضائية كل منهن بتهديد القاضى برفع دعوى قضائية ضده، وأن تنفذ هذا التهديد إذا ما أصر القاضى على موقفه.
هذا فى الوقت الذى تصرفت فيه بعض المنتقبات بصورة أكثر مرونة حيث أعلنت إحداهن أنها وافقت على أن تكشف وجهها أمام القاضى فقط، حتى يتأكد من شخصيتها، خاصة وأن عدد كبير من اللجان ليس بها مندوبات أوموظفات سيدات.
وفى الوقت الذى وصف فيه المتحدث باسم حزب النور السلفى تمسك القضاة بضرورة أن يتأكدوا بأنفسهم من شخصية المنتقبة، بأنه تعنت ولا يتفق مع الحرية الشخصية، ومع حقهن فى الإدلاء بأصواتهن، ومع كامل الاحترام لهذه الحرية إلا أن حدود الحرية الشخصية تقف عند حدود حقوق المجتمع وتحقيق العدالة وتنفيذ القانون والاحتياط لمنع التزوير، وهو ما أشار إليه أحد القضاة فى رده على مسئول حزب النور، مؤكدا أنه لابد وأن يتأكد بنفسه من شخصية كل ناخب، وألا يترك هذه المسئولية لأى شخص غيره، لاحتمالية توافق أو تعارض المصالح بين الناخبة وبين المندوبة أو الموظفة أو الناخبة الأخرى التى يوكل لها التعرف على شخصية المنتقبة، حيث أشار قيادى حزب النور إلى أنه على القاضى أن يستعين بمن يثق فيها من النساء للتأكد من شخصية المنتقبة، وهو ما يخالف القانون حتى وإن تمسك الأخوة السلفيون بما قالوا إنه صدر عن مسئول اللجنة العليا للانتخابات من تعليمات للقضاة بتمكين المنتقبات من الإدلاء بأصواتهن، وهو ما لا ينفى أحقية القاضى فى التأكد من شخصية من يدلى بصوته كحقه فى التأكد من شخصية من يدلى بشهادته فى جناية أو قضية ما.
وهنا نسأل من المتعنت فى هذه المواقف القضاة أم الأخوات المنتقبات مع كامل الاحترام لحريتهن الشخصية؟ وهل يجب على القاضى أن يرضخ لما يخالف القانون حتى يستجيب لإرادة تيار ما، وماذا لو تم استغلال النقاب بشكل سيىء لتزوير الانتخابات كما حدث فى إحدى الدوائر بمنفلوط، حيث تم ضبط منتقبة قامت بالتصويت 15 مرة باستخدام بطاقات مختلفة، وكيف يطالب البعض بأن يستعين القاضى بمن يثق فيها من النساء، لتتأكد مما يجب أن يتأكد هو منه، وهل مطلوب من القاضى حتى يضمن عدم توافق أو تعارض المصالح بين المنتقبة ومن تتأكد من شخصيتها أن يأتى ومعه والدته أو شقيقته طالما لم تعين اللجنة العليا للانتخابات موظفة مختصة بهذا الشأن، حتى يضمن شهادتها؟ أليس هذا تشددا وتعنتا ورغبة فى فرض إرادة ما على القاضى بلا وجه حق.
الأخت المنتقبة من حقك التمسك بعدم كشف وجهك، ومن حق القاضى أن يتمسك بمسئوليته فى التحقق من شخصية الناخب، وحتى يحسم القانون أو القضاء هذا الأمر فلا يجب أن يجور أى الحقين على الآخر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة