لا خريطة الانتخابات ولا نتائجها تعبر عن خريطة سياسية، فهى انتخابات تجرى بالقصور الذاتى لنظام سابق، القواعد نفسها حتى لو تغيرت الدوائر، ليست انتخابات أحزاب أو برامج، وإنما شطارة واستعداد ونشاط ومال.
الأحزاب التى ولدت بعد الثورة ليست لها ملامح، أكثر من حزب ذى مرجعية إسلامية سلفى وإخوانى أبرزها الحرية والعدالة، وأكثر من حزب ليبرالى وأكثر من حزب يسارى، بعضها يتشابه ولا أحد يعرف عنها الكثير، ولم تأخذ الفرصة لتقدم نفسها، فى فترة شهدت ارتباكا، كان التفوق من نصيب الحرية والعدالة الذى كان لدى أعضائه خبرات سابقة، وسعى أكثر نشاطا، بينما تراجعت أحزاب أخرى خرجت من رحم الجماعة، الأحزاب التقليدية فقدت قدراتها التنظيمية وأصابتها الانشقاقات أثناء حكم مبارك.
التحالفات الانتخابية مؤقتة بمرحلة السباق، مثلا قائمة الحرية والعدالة تضم مع الإخوان حزبى الغد الجديد الليبرالى والكرامة الناصرى، وهناك تحالف للأحزاب السلفية يضم النور و«البناء والتنمية» والأصالة والتوحيد العربى، ولا أحد يستطيع التمييز بين برامجها، ومن الصعب القول بأن مرشحيها نجحوا بناء على برامج، أما تحالف الكتلة المصرية فهو يضم أحزاب المصريين الأحرار، والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والتجمع، وهى أحزاب لا تجمعها أيديولوجية، ونفس الأمر مع تحالف «الثورة مستمرة» الذى يضم أحزابا اشتراكية مثل التحالف الشعبى والمساواة والتنمية مع حزب مصر الحرية والتحالف المصرى، والتيار المصرى وائتلاف شباب الثورة، وهناك تحالف الوسط ويضم الوسط والريادة والنهضة، ونتائج هذه التحالفات لا تعبر عن برامج وإنما جولات فردية وإعلانات، والتحالفات وقتية وانتخابية لا يتوقع لها الاستمرار.
وعلى مستوى المقاعد الفردية لم تكن المنافسة بين برامج، وهناك مرشحون فازوا رغم أنهم يخوضون لأول مرة لمجرد أنهم نزلوا الدوائر وقدموا أنفسهم للناخبين.
لم يظهر المرشح أو الحزب الذى يقدم برنامجا، وإنما كلام عام عن السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والمستقبل، لا يختلف عما كان يطرح فى السابق، غابت الحلول التفصيلية، وحضرت مشكلات محلية مثل الصرف والمياه والخدمات والعشوائيات، مما ينبئ بأن نرى من جديد النائب الأقرب لعضو المجلس المحلى، طالما ظلت المحليات غائبة.
كل هذا يشير إلى أن النتائج الحالية للانتخابات أو حتى بعد المرحلتين، ليست تعبيرا عن منافسات برامج، وإنما خليط من بقايا النظام السابق، الخريطة السياسية الجديدة لم تتشكل، وخلال السنوات المقبلة، ستختفى أحزاب قديمة وتظهر أحزاب جديدة، ليعاد تشكيل الخريطة السياسية بشكل أكثر تعبيرا عن تشكيلة المصالح والاتجاهات السياسية.
ومادامت العملية الديمقراطية مستمرة لا يمكن لأحد أن يشعر باليأس، وعلى من خسر أن يبحث عن أسباب خسارته، المهم أن تظل الانتخابات هى العنصر الحاسم.. كانت فرصة سعيدة بالمشاركة، وفرصة أخرى للتنافس وللناخبين أن يختاروا من يستمر أو يبعدوا من يفشل.