ماذا لو أن الساحة لم تكن خالية طوال السنوات الطويلة الماضية، لمدعى الحديث باسم الإسلام، إسلام ليس كالذى عرفته أمتنا العظيمة طوال أكثر من ألف وأربعمائة عام، إسلام لا يعرف الوسطية ولا تحرى الأسباب، ولا العلو بقيمة العقل، إسلام بعيد عن قيم الاجتهاد.. والعلم؟
لو أن الساحة لم تكن خالية لمن قدموا عن ديننا الحنيف صورة أقل ما توصف به أنها مشوهة، لكان المصريون اليوم على قلب رجلٍ واحد، لو أن الخطاب الدينى طوال تلك السنوات التى امتدت من سبعينيات القرن الماضى، كان خطاباً سمحاً بشوشاً يحمل الرحمة ويتحلى بالقوة ويدعو إلى أن نكون أعلم بأمور دنيانا، كخطبة د. على جمعة مفتى الجمهورية، التى ألقاها فى جنازة الشيخ الشهيد عماد عفت، لسار خلفه ملايين المصريين دون مرارةٍ فى القلب، تماماً كالآلاف الذين امتلأت عيونهم دموعاً أثناء الخطبة، وساروا خلف الجنازة لافرق بين مسلمٍ ومسيحى.
ما نحتاجه اليوم ودوماً، وما نستحقه كمصريين، هو خطاب يجمع ولا يفرق، خطاب لأمة وسطا، لا فرق فيها بين عربى ولا أعجمى إلا.. بالتقوى. خطبة د. جمعة من على منبر الجامع الأزهر الشريف، هى نفسها الخطاب الإعلامى الدينى الذى يلم شمل الوطن لا يمزقه، ولو أن هذا الخطاب كان متصدراً المشهد، ما كانت الفرصة ستسنح لمشوهى الإسلام، كى ينسبوا لديننا ما ليس فيه، ويربوا جيلاً كاملاً على فهمٍ مشوه للإسلام، فهم استوردناه ممن لا يدانوننا علماً ولا حضارة.. ولا تقوى.
وهذا الأسبوع عقد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، اجتماعًا لتشكيل لجنة لوضع الآليات، ولصياغة توجهات قناة الأزهر الفضائية، التى قرر الأزهر الشريف إطلاقها خلال العام المقبل، ياااه.. كم تأخرت قناة كهذه؟ لو كانت هذه القناة، لما كان إسلام الفضائيات الخاصة الممولة وهابياً هو سفير أمتنا إلى العالم.
القناة التى أرجو من الله أن تنطلق بأسرع ما يمكن، وألا تعطلها أى بيروقراطية، أو عقبات مصطنعة بفعل سوء النية، ربما هى طوق النجاة الوحيد لخطاب دينى معتدل يتسع للجميع، ومنبراً يعود به الأزهر الشريف للعب دوره كمنارة للإسلام الوسطى الذى لا يبغى من الدنيا متاعها ولا كراسى برلمانها، وليكون جامعةً لتدريس علوم الإسلام وتجديد خطابه بما يتماشى مع عصرنا، ليكون إسلاماً نهتدى به فى حياتنا، لا ديناً لا يعين المؤمن على دنياه فى عصرٍ أصبح فيه الباطل يرتدى ثوب الحق، وثوب الحق ممزقا بين فرق سياسية تدعى جميعها التحدث باسم الله.
اللهم أدم علينا إسلامنا، واحفظ لنا ديننا من كيد الكائدين وطمع المتوثبين.
وصدق الله العظيم «وكان حقاًّ علينا نصرُ المؤمنين».