أصبحنا أمام حالة من الهجاء العام المتعدد الأطراف، يتمسك فيه كل طرف برأيه، ويرى الآخرين مخطئين ومتآمرين، كل هذا دون تقديم دليل، أو إعلان نوايا واضحة من كل فريق. ومع أن الانتخابات قاربت على الانتهاء، بما قد يعنى الاقتراب من نقطة للأمام، فإذا بالشكوك تتسع، وتتجه نحو تصام جديد. ليس فقط بين تيارات من الثورة والمجلس العسكرى، لكن أيضا بين تيارات سياسية وبعضها. من دون إنتاج حقيقى لمبادرات أو إعلان للنوايا. ضجيج يبعد الثورة عن أهدافها، ويدخلها فى تفريعات.
هناك طوال الوقت من يدفعون بقصد أو بدون نحو الصدام من دون تقدير العواقب، أول اتجاهات التصادم، جاءت من المهندس عاصم عبدالماجد، المتحدث الرسمى للجماعة الإسلامية، والجماعة ترفض المليونية التى تجرى اليوم فى التحرير، عبدالماجد تجاوز الخلاف مع المليونية، وهدد أنه إذا وقع عنف فى المليونية، وعجز الجيش عن السيطرة، فإن الجماعة الإسلامية ستطهره، وتوسع فى التعميم ووصف من فى الميدان بأنهم بلطجية، وليس الثوار، وأن الهدف هو التصعيد ليس مع المجلس العسكرى وانما مع الجيش لدرجة الصدام.
تصريحات عبدالماجد تتجاوز الخلاف فى الرأى إلى التهديد بالقوة، وهو أمر يفتح الباب لحرب أهلية. ويتصور أنه يدافع عن الدولة، بينما يدعو إلى الخروج على الدولة، مستندا إلى تصريحات أطلقها أفراد من تنظيمات يسارية حول الدعوة لهدم القوات المسلحة والدولة، تصريحات هى الأخرى تفتقر إلى الرشد، وتبرر اتهامات المجلس الأعلى بوجود مخططات لهدم الدولة، وحتى لو كانت تصريحات فردية تصدر من تشكيلات صغيرة، فإنها تساهم فى تشتيت الثورة وأهدافها، وتقلل من فرصة التوحد والتنسيق.
الشاهد أن الكثير من التيارات على الساحة، أصبحت تبالغ فى تصوير قوتها، وتتصور أنها امتلكت من السلطة ما يجعلها قادرة على الفعل، بالرغم من كونها مجرد رد فعل.
والنتيجة أننا أصبحنا أمام زعماء للكاميرات، والفضائيات، وتنظيمات أقرب للهياكل الافتراضية، تطلق تصريحات وشائعات، وتخترع معارك، وتعجز عن تقييم نفسها وأدائها.
النظام المتسلط سقط، وأصبحنا أمام عشرات المتسلطين، فى غيبة حقيقية للقيادة، والزعماء فضائيون أو افتراضيون، على تويتر، وفيس بوك. ليسوا زعماء، وإنما ندابات لايكفون عن الشكوى، ويفتقرون للابتكار والقدرة على الانتقاد، يخافون على صورتهم، ويتاجرون فى دماء شهداء أبرياء، يصدقون الأكاذيب، ولا يجيدون مناورات السياسيين وألاعيبهم. زعماء يزايدون من دون أن يبذلوا جهدا لحماية الشهداء، أو دعمهم.
شركاء فى مؤامرة بصمتهم وسلبيتهم ومزايداتهم. التى تزرع اليأس، يمارسون شجاعة فى جانب، يفتقدونها فى جوانب أخرى. جشعون للسلطة، يخفون جشعهم خلف المزايدات.
كل فريق يتحدث عن مؤامرة ما، ضده أو ضد البلد، المجلس العسكرى يتحدث عن مؤامرة على البلد، والثوار يشيرون لمؤامرة على الثورة، والإسلاميون يقولون إن هناك مؤامرة على مكاسبهم الانتخابية. أصبحنا «بلد مؤامرات صحيح».