لكل ديكتاتور زبانيته، يزينون له الباطل، ويبعدونه عن الحق، ارتضوا أن يكونوا له ولمن يرضاه «فرش متاع» يستعملهم كما يستعمل ممتلكاته، هم بالنسبة له كالكرسى الذى يجلس عليه، والسرير الذى ينام فوقه، والحذاء الذى ينتعله، لا تتعجب إن قالت أشياء الديكتاتور كلاما صادما للفطرة، فهى مأمورة باتباع آمرها وسيدها، لا تتعجب أيضا إن قالت هذه الأشياء «فى داهية حقوق الإنسان» لأنهم قد تنازلوا بمحض إرادتهم عن إنسانيتهم، بعد أن ضمنوا «حقوق الأشياء» وحق الشىء على مالكه المراعاة، ولا عجب فى أن ترى الزبانية يلمعون فى المجتمع، وينزلوا أهلا على قنواته التليفزيونية ويحلون سهلا على جرائده الحكومية، فإنى لم أجد ديكتاتورا لا يجتهد فى تلميع حذائه.
لا تذهب الديكتاتورية بمجرد ثورة، ولا تزول هكذا ببساطة، بناء على رغبة السادة المشاهدين، فقدر المشاهد المشاهدة، وقدر الأحرار المقاتلين العنت والاستشهاد، كذلك لا يختفى الديكتاتور مرة واحدة، فقد يتخذ قناعا وقناعا وقناعا، كلما تكشف واحدا بدله بغيره، وكلما غير واحدا، صاحت أشياؤه، ها هو ذا قد تغير وما علينا إلا الصبر، وإن نقع فى الفخ ونجرب «الصبر» حتى يطمئن الديكتاتور ويعود إلى سيرته الأولى.
أحمد الله أننى عشت ورأيت، ومازلت أعيش أرى، وأحمد الله أيضا أن جعلنى صحفيا أتابع الأخبار والتحليلات وأرصد الظواهر ومتغيراتها، وأعود بين حين وآخر إلى ما حفظته من أخبار مهمة، أراجعها وأبتسم، وأتذكرها فتهون على المهازل التى أراها كل يوم، اخترت لك اليوم خبرا نشرته «المصرى اليوم» فى الخامس والعشرين من يناير الماضى، سأتركك معه حتى تتأكد مما قلته فى الفقرتين السابقتين، وسأترك لك حق الاستنتاج والتحليل والتأكد من أن «لسه النظام مسقطش» إن كان لديك شك.
حمل الخبر عنوانا هو: 4 منظمات تهتف فى عيد الشرطة: اضرب اضرب يا حبيب.. اضرب اضرب من حديد، ويقول فى متنه: على أنغام النشيد الوطنى لجمهورية مصر العربية وعدد من الأغانى الوطنية، التى أطلقها الـ«دى جى» المواجه لرصيف دار القضاء العالى، نظمت 4 جهات حقوقية وقفة تضامنية الأحد أمام دار القضاء العالى، احتفالاً بعيد الشرطة، وقال سمير الششتاوى، رئيس المنظمة المصرية للدفاع، عن الشرطة والتضامن: إن الهدف من هذه الوقفة التضامنية هو إرسال رسالة لمن يريدون تزوير تاريخ مصر، وأضاف: من يدعون لإلغاء هذا اليوم يهدفون إلى إثارة القلاقل ومحاولة زعزعة الاستقرار لصالح دول أجنبية، ورددت المجموعة الهتافات التى أشادت بوزير الداخلية أبرزها «اضرب اضرب يا حبيب.. اضرب اضرب من حديد».
ملاحظة: الخبر صحيح ويمكنك مراجعته فى الصحيفة، ومكان الحفل كان أمام دار القضاء العالى بالإسعاف وليس بالعباسية، والهتيفة كانوا يهتفون «للعادلى» المحبوس حاليا فى قضايا قتل وسرقة، وليس المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى.