بعد انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الحالية فى مصر بدت الأسئلة كثيرة والمخاوف المشروعة أكثر، فالواضح أن الإسلاميين سيستحوذون على العدد الأكبر من المقاعد فى البرلمان القادم وفقا لمؤشرات المرحلة الأولى التى جعلت رموز التيار من الإخوان والسلفيين بدافع الثقة والغرور يتحدثون عن المشاركة والتعاون مع باقى التيارات السياسية التى من المحتمل أن تفوز بعدد من المقاعد، وبدأ الحديث عن الحق فى تشكيل الحكومة قبل أن يتم إعداد الدستور.
الأسئلة الكثيرة الآن تدور حول شكل الممارسة الديمقراطية فى وجود تيار الإسلام السياسى الذى لم يحدد حتى الآن برنامجا سياسيا واضحا والاعتماد فقط على حسن التنظيم والحشد والهوية الدينية، فما يميز الانتخابات الحالية أنها بلا برامج واضحة وإنما التصويت فيها على الهوية، وهنا مكمن الخطر من استمرار التجربة التى يمكن أن تدفع إلى تقسيم المجتمع على أساس الدين والعرق والطائفة، فلو سألت أى ناخب لماذا انتخبت مرشح الإخوان أو السلفيين أو الكتلة وغيرهم فلن تجد لديه إجابة محددة تستند إلى معرفته ببرنامج المرشح أو خبرته السياسية.
عموما مرحبا بالإسلاميين فى السياسة وفى بناء تجربة ديمقراطية فى ظروف بالغة التعقيد تجعل استقرار أى نظام سياسى أمرا صعبا، فالمسؤولية كبيرة والحمل الوطنى العام لا يتحمله الإسلاميون وحدهم ولن يستطيع الحرية والعدالة أو النور إدارة شؤون دولة تعانى من فقر وبطالة وأمية وخدمات صحية منهارة بالشعارات الدينية، فالفوز فى الانتخابات لا يعتبر ضمانة على قوة التيار ونفوذه وإنما القدرة على ترجمة هذا الفوز إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة المعالم تحل مشاكل الصرف الصحى ومياه الشرب وأزمة السكن والقضاء على البطالة والاعتماد على البحث العلمى وتطوير التعليم، وعليهم أن يعلموا نجاح التجربة الديموقراطية فى مصر أساسها المساواة والعدل والمواطنة وأن الوطن يتسع للجميع.
لقد نجح الهنود فى بناء ديمقراطية بلادهم فى ظروف شديدة الصعوبة، رغم عمق المشكلات الاجتماعية والثقافية فى مجتمع كان يرزح تحت وطأة التخلف والفقر المدقع وصعوبة التواصل مع أقاليمه إلى حين حصوله على الاستقلال فى العام1947، ولذلك فقد حفلت أدبيات النظم السياسية والحكومات المقارنة فى خمسينيات القرن الماضى بتوقعات غير متفائلة بشأن مستقبل الديمقراطية فى بلد مثل الهند.
قوة الهند تكمن فى أنها أصبحت واحدة من أنجح الدول الديمقراطية والمستقلة فى العصر الحديث.